أؤمن دائماً وأبداً أن مصدر الفقر هي نفس الإنسان وليس البيئة أو المجتمع الذي يعيش فيه, ومؤخراً تظهر صورة من صور الفقر الذي تعانيه انفسنا في أسوأ أشكالها وأردأ ألوانها وأضيق زواياها.. صورة كلما رأيتها تمنيت لو أنني لا أنتمي إلى هذا المجتمع غريب الأطوار الذي يصبح على ما لم يمس عليه ويمسي على ما لم يصبح عليه.. إنها صورة الـ "حراج" القادم من المملكة على ظهور شاحنات تغادر حدود الشقيقة لتضع أثقالها على أرض اليمن في شكل أثاث بعضه سكنته العثة وآخر مزقته يد الاستخدام السعودية ويصل إلى اليمن ليفترشه اليمانيون أهل الحكمة والإيمان أصحاب البلدة الطيبة والأرض المعطاءة التي لا ينقصها إلا حب أبناءها لها واعترافهم بها كما يعترف الآخرون بأوطانهم على أنها أجمل وأبهى وأزكى وأطهر الأوطان.. أثاث مستخدم موبوء بالحشرات والأتربة, فسيدات المجتمع السعودي لا يبقين في إنتظار مياه المشروع لغسل وتنظيف وتعقيم أثاث المنزل وإنما يتخلصن منه سريعاً برميه واستبداله بآخر جديد, لأن أيديهن الناعمة لا تفعل ما تفعله أيدي اليمانيات من تنظيف واهتمام وتأنيق أثاث المنزل.
تأتي الشاحنات لتفريغ حمولتها من ذلك الأثاث المستخدم ويلتف الناس حوله كما يلتفون حول كعكة عيد الميلاد مهللين ومكبرين ومستغفرين وتائبين من ذنب الفقر وخطيئة الفاقة, يأتون طائعين وكأن غنائم المعركة وصلت للتو من بلاد الغنج والدلال إلى بلاد الضنك والهم وكثرة العيال ويشتري الناس ذلك الأثاث فرحين بما أتتهم السعودية من فضولها ويستبشرون بما ستأتي به بعد حين ولو كان ذلك القادم مقالب القمامة السعودية وما تطلقه بطون الناس هناك!.
حشرات, بقع غريبة تشبه الدم ولا تشبهه, أتربة وبقايا مهملات.. هذه هي صورة الأثاث القادم من الشقيقة الكبرى إلينا ونحن أهل الكرم والعفة والمروءة, حشرات سمعت أن لأحد أنواعها اسم الـ "كتن" علاوة على أنواع العثة التي تسبب الربو وحساسية الجلد أيضاً.
فما رأيك عزيزي القارئ عزيزتي القارئة, بما يدخل بيوت البعض من هذا الأثاث, أليس من العيب ما يحدث؟, أليس من العار أن تنصرف كالجياع ولنا رب كريم يستحي أن يرد الدعوة أو يرفض الطلب أو يتولى عن المسألة, أين هي عقول تجار الحراج في اليمن؟ وأين هي عقول الذين يشترون ما يلقيه الآخرون في سلة المهملات؟!.
إن هذا الأثاث المستخدم لم يأت من بيوت الصحابة ولم يستخدمه التابعون ولم تمتد إليه يد الأنصار أو المهاجرين مع رسول الله "صلى الله عليه وسلم", إنه القمامة التي يتفضل بها المجتمع السعودي للمجتمع اليمني, هو باب فتحته مفاتيح التهاون واللا مبالاة ويجب أن تغلقه يد الرقابة والمسؤولية وحب الوطن والولاء له, نحن في غنى عن أمراض وأوبئة سعودية الصنع لا يمكن أن تصدر إلى أي مكان إلا إلى اليمن واليمن فقط.
ألطاف الأهدل
بلادي بلادي بلاد ال كتن 1636