هذا الإنسان المخلوق من نطفة قذرة, المسكون بألوان الشر وأصناف النوايا الخبيثة, المخلوق الذي نفخ الله فيه من روحه فما استحى أن يعصيه وما خجل أن يجاهره بالتمرد وما خاف أن يغشاه العقاب أو تحل عليه من الله البلايا, مخلوق من ماءٍ مهين, في قرار مكين, ثم يعلو صوته بالطغيان ويتكبر على الرحمن ويظن نفسه سيداً وكل من حوله من الناس جواراً وغلماناً.
مثل هؤلاء نراهم كل يوم, نلمس آثار كبريائهم وغطرستهم كل ساعة, نعاني وطأة استغلالهم لضعف الآخرين كل ثانية.. ليس بيننا وبينهم إلا أننا نعرف قيمة أنفسنا ولا يعرفها هم وأننا نعلم حجم الأنا التي تظهر ملامحها على وجوهنا ولا يعلم هم عنها سوى أنها نائمة تحت أحذيتهم القذرة ابلغ من العجب مبلغه حين أرى البعض يتصرف وكأنه وحده على وجه البسيطة, لا مال إلا ما يملك, ولا ولد إلا ما يصطف خلفه من الذرية, ولا نساء إلا ما ملكت يمينه ولا سلطان إلا ما استحوذت عليه يداه أو ورثه أو منحته إياه المشيئة, إنسان يخطو أولى خطواته كل صباح نحو الحياة بعصا المنكر متشدقاً بذاته ومتسمكاً بقدرته ومتوكلاً على نفسه, لا يلمح بشائر التواضع ولا يتحسس براعم الطيبة, لأن نفسه أرض بور لا تنبت خيراً ولا سعادة.
وفي الوقت الذي يلتف فيه الناس حول موائد البذل والعطاء حباً في رضا الله ورغبة في رحمته وطمعاً في مغفرته, تراه يبذل وأنفه تلامس السحاب, يمد يده وعيناه في المساء, لا يلين قلبه ولا تذوب مشاعره ولا تنكسر أحاسيسه, يمنح كارهاً, يكاد المن والأذى يصلان إلى صاحب العطية قبل أن تصل إليه عطيته. ينام آمناً مكر الله ويستيقظ آمناً مكره, كأنه مخلد في الحياة لا يموت, يعيش منفرداً ويموت كذلك, يرى في زيارة الناس له طمعاً فيه وينسى أن ما عنده يفنى وما عند الله باق, ويرى في دعوه الناس له رغبة في جنابه وهو أضعف من أن يحمي وأققر من أن يغني وأذل من أن يطلب جنابه, يتناسى من هذا حالة أن القبر مآله والموت قباله, ويجهل أن الكبرياء رداء الله ومن حاول أن يرتديه ألبسه الله ثوب الذل, لا يعلم أن الموت أقرب إليه من شراك نعليه وأنها لو دامت لمن قبله ما وصلت إليه, يدور في أفلاك نفسه وينشغل عن ساعة حتفه..
مسكين هذا الإنسان الذي ما ألف السعادة وما تذوق طعم العبادة ولم يعرف بأن الخير عادة كما أن الشر أيضاً مجرد عادة, من نطفة غادرت سحابة اشتهاء لتستقر في بئر انتهاء, ومن قبر الغيب إلى قبر الأم ثم قبر الأرض.. ثم يبدأ كما أنتهى, فما الشيء الذي يميزك عن سواك أيها المتكبر وأنت كباقي البشر؟!.
ألطاف الأهدل
من أي شيء خلقه؟! 1363