نحن معاشر اليمانيين من أكثر الناس اجتهاداً في طلب الرزق والبحث عن الكسب والسعي لتحقيق الأمن الاقتصادي ولو بأبسط صوره.. لكننا في غمرة ذلك العمل الدؤوب ننسى الأخذ بأسباب الكسب, كما أننا ننسى أو نجهل أن الكسب شيء والرزق شيء آخر, فأسباب الكسب تتعلق بالسعي والاجتهاد والاستيقاظ مبكراً والحفاظ على الصلاة في أوقاتها وبر الوالدين وصلة الرحم وتحري الحلال والتوقف عن النظر إلى ما في أيدي الآخرين.
إنها الأسباب المشروعة لتحقيق الكسب في أطهر صورة وأرقى وسيلة, وبعد الأخذ بهذه الأسباب فإن رحمة الله وقدرته هي موضع التوكل وليس ما نملك من قوة أو مهارة أو حسن خلق فما على الإنسان إلا أن يطرق الباب ويأخذ بالأسباب والأمر بعدها لله.
هذا هو الكسب, أما الرزق فإنه ذلك القدر الذي نناله أو نستهلكه مما كسبنا, فقد نكسب مائة الف ريال, لكن رزقنا منها عشرة آلاف ريال والباقي سيكون رزق زوجة أو ولد أو قريب أو غريب, قد نشتري عشرات الأثواب, لكننا لا نرتدي منها إلا ما قسمه الله زرقاً يستر عوراتنا ويواري سوءاتنا.
إننا وفي أغلب الأحيان نجهل أن نجعل الرزق وسيلة للعيش لا غاية له, لذا نبقى في مشهد الوحش الذي يجوب الغاب بحثاً عن فريسةٍ دسمة ثم لا يحظى إلا بما كتب الله له من الرزق, كلنا يسعى للكسب لكننا لا نجتهد في السعي ليكون حلالاً خالياً من أي شوائب, وهذا في اعتقادي أحد الأسباب التي تؤخر نمو المجتمعات وتطورها اقتصادياً, لازالت الرشوة والربا وتطفيف الميزان أسباباً واضحةً لاستمرار الفقر وشدة الاحتياج وتدني المستوى الاقتصادي, فالإضافة إلى التخاذل عن استغلال الثروات الدفينة في الوطن نتخاذل كأفراد وحكومات عن الضرب على أيدي المفسدين ومن يستغلون حاجة الناس لقضاء مصالحهم عبر الرشوة أو الفوائد الربوية أو سواها من أساليب الالتفاف والعبث المالي غير المشروع.
ما نجهله أيضاً في أمر الرزق أنه قد يأتي وافراً حيناً وشحيحاً حيناً آخر وهذا لا يعود لعجز المخلوق عن تحصيل الكثير وإنما يعود لحكمة الخالق في الرزق, فهذا الكثير لا يأتي إلا ويكون بعده شحة, والمعنى أن الله قد يرزقنا الكثير اليوم لأنه أعلم بأمر الغد من حاجة لإنفاق ما اكتسبناه أو ترشيد إنفاقه لشيوع حالة تقشف شاملة, لله حكمة دائماً في اكتسابنا ذلك القليل الدائم أو الكثير المنقطع.
ثم إن العمل تحت مظلة الأخذ بالأسباب من أعظم ما يمنحنا صفة القناعة ويكسبنا شعور الرضا ويدفعنا للاستمرار على وتيرة مستوية من الاجتهاد وحسن التوكل, فنحن نعمل بإشراف مباشر من رب العمل الذي يؤجر ويرزق ولا يظلم مثقال ذرة, نعمل بين يدي الرازق الذي يعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه, فلمَ الخوف إذاً من زوال الأسباب ورب الأسباب باقٍ؟!.
ألطاف الأهدل
والله خير الرازقين 1489