كنت في زيارة لأحد الأسواق الشعبية التي أحبها في تعز، ثم وجدت نفسي أمام أحد المحال الخاصة ببيع الفضة واقتناء الأحجار الكريمة، بدأت بالبحث عن قطعة أثرية جميلة تخيلتها كثيراً، لكنني وجدت أن أحجار العقيق الساحرة بدأت تأخذ كل اهتمامي وتسيطر على كل تفكيري، بدأت بتأمل تلك الزخارف الدقيقة على جانبي الفص الذي يعتلي خاتماً سلمانياً اسماهُ صاحب المحل (خاتم الملك سليمان)، وخاتم آخر اسماه ( خاتم السلطانة)...، مجموعة من مشغولات فضية رائعة، وبين عقود وأقراط ومحابس رائعة الجمال وجدتني أغرق في بحر من التفاصيل التي أحبها. عندها فكرت في أن أقف لحظات تأمل أكثر غزارة مع العقيق اليماني ذائع الصيت فطلبت إلى (عبدالله) وهو ابني الأكبر الذي وقف مبتسماً من حالة إندهاشي تلك، طلبت إليه أن يشعل ضوء هاتفه حتى أسلطهُ بشكل مركز على قطع العقيق تلك خاصة من الجهة الخلفية المستوية والتي تظهر مقدمة العقيق المصقولة بعناية في أبهى صورها. وعندها فقط شعرت أنني ( ألبس في بلاد العجائب)، فماذا اصف؟! وكيف أنقل لكم الصورة أحبائي القراء؟!.. هل رأيت قبل اليوم حجراً صغيراً يحمل سحباً وبحاراً وضباباً وأدخنة!! هل رأيت قبل اللحظة جبالاً وتلالاً وغابات متراكمة تختبئ خلف قطعة زجاج ملون كما تختبئ الجنيات في مصابيح المغارات؟.... وكأنه السحر، زوايا داكنة، وأخرى تفتح اذرعها للقاء القضاء، بقع من الفراغ على مساحة من اللا شيء، أطراف مترامية وأخرى تقف بشموخ عزيز القوم الذي لا يذل...، وجوده لا تشبه وجوده البشر وأخرى تحمل بعض ملامحنا..., كان عالماً سحرياً وشعرت بالسعادة إذ تذكرت أنني احتفظ بعقد من العقيق في صندوق ذكرياتي وسيكون بإمكاني أن أتأمله متى شئت بنفس تلك الدهشة اللذيذة التي شعرت بها هنا، هذا هو العقيق اليماني مثله في الشهرة مثل البن والعنب والزبيب وكل شيء تزرعه أو تصنعه يد الإنسان اليمني، إنسان البساطة والفطرة والروح التي تفيض جوداً وكرماً، كان الرجل قد عرض عليَّ بعض المشغولات الفضية من بعض دول الجزيرة، لكنني رأيتها تشبه أبراجهم الزجاجية التي ينظرون من خلالها إلى اليمانيين وكأنهم حشرات قذره، رفضتها وتذكرت ما قلته مرة في إحدى جلسات الحوار الوطني، نحن من أرقى وأكرم الشعوب العربية لكننا وقعنا في قبضة الأطماع السياسية محلياً وأشغلتنا قبضة الأطماع الاقتصادية إقليمياً ولربما كان لقبضة المصالح الدولية يد كبرى في بقاء الشعب اليمني خارج دائرة التقدم والازدهار، وما يجب أن نفعله فوراً هو التوقف عن حصر سنوات الموت والخذلان والبدء بصناعة يمن جميل بجمال قطعة العقيق الفاتنة تلك.
ألطاف الأهدل
عقيق يماني 1765