نحن نتعبد بالفرح، وبمقدار فرحنا يكون شكرنا لله، فلا نحزن ولا ندع الكآبة تستحوذ على مشاعرنا.. ولا معنى للعيد إذا لم نطرد اليأس من قلوبنا، وتترك لأرواحنا أن تطير في فضاء البهجة بجناحي الحمد والشكر، إذا لم نغادر الضيق والحسرة إلى حيث الفرح والابتسامة, إذا لم نكسر حدة الرتابة وننفتح على من حولنا بدفق المشاعر، لنستحضر معنى العبادة أمامنا، وليكن فرح العبادة باعثاً لحركاتنا، ولتكن فكرة السعادة هي دافعنا نحو نفوسنا والآخرين.
ربما نشعر بالظلم ولا نجد للفرح طريقاً إلى قلوبنا, لا بأس، لنتذكر بأن آخرين وقع عليهم ظلم أكثر منا، لنتذكر بأن الله قريب منا ويجيب دعواتنا، ولنتذكر بأن فرحتنا ستغيض من ظلمنا، وأن نكون مظلومين خير لنا من أن نكون ظالمين, وربما نشعر بالحزن على فقد حبيب أو عزيز، لنتذكر بأننا –كلنا- ضيوف على هذه الدنيا، وبأن من أعطى أخذ وهو وحده من يعوضنا، لنتذكر بأن الموت هو الوجه الآخر للحياة، وبأن اتصالنا مع من رحل أسهل مما نتصور، فالخط مفتوح لكي نطمئن عليه، وربما أكثر من أي وقت مضى.
وربما نشعر بكآبة الفقر والعوز، وكلنا فقراء إلى الله، ومحتاجون له، وليس بالمال فقط تتحقق السعادة، كثيرون غيرنا ممن أعطاهم الله المال يتمنون لحظة سعادة وبعضهم محروم من التمتع بالنوم أو بالطعام، ونحن بصحة جيدة.
إذاً نحن أغنياء، نحن لدينا أولاد وبنات، وغيرنا محروم منهما، نحن إذاً أغنياء، لا نطرد الفرح من بابنا فهو يحتاج إلينا في هذا أكثر مما نحتاج نحن إليه.. وربما نشعر أن دماء الأمة تسيل في أكثر من مكان، ومقدساتها تدنس، وأحوالها تبعث على الحزن، هل يستطيع حزننا أن يعيد إلى الأمة عافيتها؟.
إذاً لنجرّب الفرح, فلربما ساهم في إعادة البسمة لمكلوم، أو في تضميد جراح مظلوم أو في منح جزء من السعادة لجيران هربوا من جحيم الحروب.
إن معنى العيد أن تبدو الأمة في أجمل صورها، كتلتها الاجتماعية متكافلة ومتماسكة، نداؤها في صباح العيد واحد، الله أكبر من الفقر ومن الظلم ومن الحروب ومن الجبارين.. الله أكبر من الاستبداد والفساد ومن المتربصين بنا الدوائر، إيهما فضل: أن نتقرب إلى الله وإلى عباده بالحزن أم بالفرح؟.. شتان بين الهديتين، هدية تعمق الجراح وتثبط الهمم وتقتل الروح، ووصفة أخرى تبعث الأمل، وتعيد الهمّة وتروّح على النفس وتدفع للصمود في مواجهة الكروب.. العيد هدية الله إلينا، فلنستقبله كما يجب، مبتهجين بتمام عبادتنا، ومبتسمين بما نحقق من رضى الله علينا، وبما يستحقه من حولنا من الفرح, فهم يحتاجون، مودّة ينتظرونها وإحساساً بالحب والقرب والطمأنينة التي قد تبدد عنهم وحشة الطريق..
العيد يمنحنا فرصة لكي نعود إلى فطرتنا الأولى، وإلى طفولتنا التي نراها في عيون الصغار وهم يفرحون بلباس العيد، لنحاول أن نفرح مثلهم، لا بتغيير اللباس وإنما بتغيير الأفكار والمشاعر, فالفكرة العابرة هي التي توقظ فينا فطرتنا وطفولتنا وإنسانيتنا, وهي التي تفتح عيوننا على جمال الكون الذي غاب عن ناظرينا أيام السنة الطويلة.
نحن أقرب ما نكون إلى ديننا وإنسانيتنا وعالمنا الصغير حين نكون فرحين سعداء، ومن قال أن المسلم يجب أن يكون عابساً حزيناً، أو بائساً منعزلاً، هذه أسوأ صفات أُلْصِقَتْ بالدين وهو منها بريء.
نحن في العيد نعلم العالم استقلالنا وتميزنا، ونشهر قوتنا ووحدة المجتمع الذي ننتمي إليه، وتبرز صورتنا التي جمّلها الصيام كما يليق بها، نحن تكشف أمام الملأ قدرتنا على الخروج من أيام الصبر إلى أيام الشكر، ومن الانضباط إلى الانفتاح، ومن التقيد بأوامر الفريضة إلى الانعتاق بأوامر الواجب.. العيد موسم للفرح الحلال والنشوة بالانتصار على النفس الثقيلة، والاحتفاء بما يحمله اليوم التالي من فرح، والإصرار على التغيير والانتقال من مرحلة إلى أخرى, والثقة بأن بعد العسر يسرا، وبأن اليأس اقصر طريق إلى الكفر.. كل عام وأنتم بألف خير.