الحزبية أعمت أعين البعض عن قاعدة الجُزء والكل التي يعرفها الكبير والصغير في كل أنحاء الدنيا، كما أنها جعلتهم أقل تفاعلاً مع الواقع وأكثر تعاملاً مع نظريات سياسية وفرضيات حزبية جامدة قد لا يمكن تطبيقها على أرض إنسانية تفتقر لثقافات التحزب الهشة أو المطاطة، هذا الاختلاف الذي له جذوره العقائدية والعرقية والأخلاقية قد يكبر يوماً بعد يوم إثر غلبة المصلحة واستئسادها وتعملقها على حساب النُخب البسيطة من أبناء الشعب، تكبر خلافات الشعوب الحزبية أكثر حين ينقسم الرأي العام مع أو ضد هذا الحزب أو ذاك، حتى تضيع معالم القضايا الوطنية الكبرى وينشغل الناس بتلك الهبات الساخنة من آن لآخر، حتى تتحول في لحظةٍ ما إلى قضية محورية تدور حولها الأفلاك الحزبية لتقتنص من شوائبها ما يبقيها على قيد الحياة، خاصة وأن غلبة الحزب دائماً تحرسها قوة النظام، بل بمعنى أصح بطش النظام أياً كان توجهه وأياً كانت ركائزه وأياً كانت ثوابته، إن صح أن يكون لأي نظامٍ ثوابت أو ركائز!.
المشكلة التي تعاينها أنظمتنا العربية أنها تتعامل مع الشعب كحزب ومع الحزب كشعب، وطبعاً وفق رؤيتها الخاصة حول الحزب الذي يتربى في أحضانها وهي تردد في نفسها (عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً)، لكن السيء في الأمر أن هذا الولد يتحول فجأة إلى مارد من نوعٍ خاص!.. وهي ليست المشكلة الوحيدة التي تظهر فشل هذا النظام أو ذاك وقصور مستوى تعاطيه مع البنية الشعبية وفق برامج خاصة ومتطورة، بل إن مآزق كثيرة يقع فيها النظام مع الأحزاب ذات الأغلبية أو حتى الأقلية ومن أهمها الخوف من تحول الأدوار وتداول المواقف وهذا ما يدفع بالأنظمة إلى تأطير وتحجيم أنشطة الأحزاب في قوانين تخدم مواقفها وميولها فقط، دون أن تأخذ بعين الاعتبار مصلحة طوابير عريضة من أبناء الشعب تختلف رؤاها أو تتحد مع هذا الحزب أو ذاك، دون أن تشرخ جدار العلاقة بينها كلُحمة إنسانية واحدة.
لدينا قصور كبير في فهم الأولويات الوطنية، كما أن لدينا قصوراً أكبر في نشر تلك الأولويات أمام الجيل الجديد الذي يجتهد كثيراً في فهم الوطن، لكنه وبكل أسف يستخدم في ذلك قاموس السياسة الذي لا يحوي بين دفتيه كلمة وطن!.. لابد من تصحيح مسارنا الوطني وفق واقع معقول، لا عبر قوالب قانونية جامدة يرى فيها البعض عصاً سحرية لهم، بينما يرى فيها آخرون عصاً حديدية مسلطة على رؤوسهم.. لنختلف بحب وسلام وهدوء، فما الذي سيقدمه حزب أحدنا عن حزب الآخر؟، ما المعجزات التي تصنعها الأحزاب؟.. إنه مجرد حزب.. حزب.. وبمجرد أن تزول النقطة عن أوسط حرف في هذه الكلمة ستتحول الحياة إلى جحيم.
ألطاف الأهدل
مختلفون على حزب، متفقون على وطن 1451