من الناس من لا يستطيع تقديم الخير أو منع الشر عن الآخرين، ثم انه لا يكتفي بهذا فحسب، بل يبقى سبباً لمنع الآخرين من تقديم الخير للناس وحثهم على الشر بطريقة أو بأخرى. وهذا من أسوأ الأمراض التي يعانيها البعض، فهو لا يكتفي بتدمير خلايا الخير والسلام والتصالح في نفسه بل يسعى لتدميرها في نفوس آخرين قد ينجح في السيطرة عليهم لأنهم لا يملكون الحصانة الكافية ضد أمراض النفوس وعللها الكثيرة.
إنه أسوأ أنواع البخل أيضا، لأن البخل لا يعني فقط التقتير والامتناع عن العطاء وشحة النفس وقلة الاعتقاد بما عند الله، من عوض، بل أن البخل يشمل أيضاً الإمساك عن النصيحة والتردد في منح المشورة وعدم الالتفات لأهل الحاجات من أدنى الهرم إلى أقصاه، فقد نجد إنسانا لا ينقصه المال، لكن تنقصه النصيحة أو سرد العظات على مسامعه. من الناس من يحتاج لفيض المشاعر الراقية التي تدفعه للإيمان بمجتمعه والتصديق بالعقلية الجمعية وتعلمه أيضاً الولاء لمحيطه العقائدي لأن ذلك الفيض المنحدر عن أخلاق عالية وغاية في النبل والتسامح يعتبر أسلوباً دعوياً أو إعلامياً عن عقيدة المرء وقناعاته الروحية. والبخل مذموم على كل حال، سواء كان في مال أو عاطفة أو كلمة طيبة، لأن له معان رخوة وقوالب هشة ونظرة استهجان عامة، فالبخيل مكروه من الناس لأنه يعيش كنصف إنسان، بعيداً عن مجتمعه الأسري والوظيفي، فهو يعيش لنفسه، يتسكع في زقاق عقله، يحاور ذاته، يأنس لوحدته ويتشتت فكره إذا حاول أن يذوب في بوتقة الجماعة. وفي نهاية المطاف لا نستطيع تغيير طبائع الناس أو توحيد قناعاتهم، لكن ما يجب علينا دفعه من سلوكياتهم أمر مرفوض وواجب، وليس بعيداً عن تعاليم ديننا الحنيف، فمن المنكر أن نرى من يمنع الخير ويدفع للشر ولا ننهاه عما يفعل. وإلا فأننا سنشاركه إثم البخل في نشر الفضيلة وتوجيه المخطئ من الناس والشد على يد المصيب فيهم. ومع هذا فيجب أن نتنبه إلى أن الإنسان مزيج من المتناقضات وهو من أعتقد المخلوقات فكراً أو سلوكا. فكما أن البخل في كل شيء قد يكون وبالاً على صاحبه فإن الكرم أيضاً قد يتحول إلى سلاح موجه إلى صدر الإنسان حين ينفق الإنسان ماله في غير حاجة أو يعطي النصيحة لمن لا يستحق.
ألطاف الأهدل
يبخلون ويأمرون الناس بالبخل 1479