هي نظرة فلسفية في زاوية الاستحداث المنطقي, وتعبير مطلق لما يدور على مربع الالتقاء النمطي, وقراءة لتلك العبثية الراشدة التي تحل لنفسها ما تحرمه على الناس.
حوار بين الماء والنار في قمة النشوة المتلاشية, فالماء يمكن أن يحرق أيضاً, والنار يمكن أن تطفئ!.. تلك العلاقة المتشابكة بين ما يمكن أن يكون حقيقة وما لا يمكن أن يكون إلا خيالاً محضاً, علاقة مغيبة عن الوعي الإنساني, فنحن لا نستطيع أن نرى الملائكة, كما أننا لا نستطيع أن نرى الشياطين, وبينما يمكن أن يكون إنسان ما شيطاناً يمكن لآخر أن يكون ملاكاً, فالروح هي المعنية بخطاب الخير والشر بالتغاضي عن ذلك القالب الذي يميز كلاً منهما من الخارج فقط.. لكن حين يصبح من الصعب العبور إلى الأفق إلا عبر ذلك الممر الضيق بين الأرض والكون, نستطيع أن نوحّد بين النار والماء في فكرة واحدة, فالناس لا يقرؤون ما تكتبه عقولنا أبداً!.
الوعي الذي يحمله المثقف, وتلك الأثقال التي تنوأ بها حواسه المفعمة بالحياة لا يستطيع حمله من سقته السياسية من أثدائها خمرة السلطة والعظمة فنام في أحضانها هانئاً غير آبهٍ بما يقض مضجع المثقف وما يداعب جفنيه من هموم وأحزان.
المثقف يقرأ الواقع بقلبه, تضيق جنباته بهموم مجتمعه, يمضغ الحزن مع طعامه ويرشفه في شرابه, يعيش جسداً بلا روح, وليس له من الأمر شيء إلا ذلك الركام المتشابه من المفردات الصامدة أو العاثرة بين دفات الكتب التي لا يقرأها إلا التاريخ.. لكن السياسي فقط يقرأ الواقع بعصاه, ويمضغه مع أشلاء الناس الذين يبيتون جواره باحثين عن مأمن, فلا تلبث أن تنتحب أعينهم ظلماً وبطشاً من جارٍ لم يرعَ حق الجوار!.
المثقف يكتب والسياسي يقرأ فقط, المثقف يزرع والسياسي يحصد رؤوس سنابل القوم ليلقيها أمام أتباعه من العوام الراكعين دون عرشه.. المثقف والسياسي السلاح ذو الحدين, البندقية ذات الفوهتين, السارية التي تحمل علمين, علماً يسارياً وآخر يمينياً, الجمجمة التي تحمل وجهين, البلاط الذي يحكمه نظامان.
إنها لعبة الملاك والشيطان التي يرتدي فيها البشر قناعين متناقضين.. المشكلة أن هؤلاء البشر يقبلون على أنفسهم أن يبدّلوا تلك الأقنعة كما تتبدل أوراق الشجر طوال العام, نعم تتغير ألوانها, تصبح يانعة ثم تذبل, تعلو ثم تسقط, لكنها تبقى مجرد ورقة لا تُثمر ولا تحمل إلا نفسها.
ألطاف الأهدل
المثقف والسياسي؛ الملاك والشيطان! 1485