أيها الوطن المنكسر في أكفان الاحتضار, أيها القديس المتلفعُ بأثواب الغفران, أيها الساكن في أقاصي البهتان, أيها الطاهر على مقصلة النكران, بأي لون أرتديك وقد أصبحت قوساً سماوياً ملوناً بالخوف والخذلان؟! وفي أي لحظة أحتويك وقد أحاطت بساعديك القضبان؟! السلام عليك أيها المتهم البريء الذي قلمت السياسة أظافره وخنقت الأحزاب شرايين الحياة عنده وأدعى البعض بطلان شرعيته وتجرأ آخرون على التشكيك في أصله وفصله!
وكأن للأوطان عروقاً وفصائل وأمهات نجيبات وآباء فضلاء.. كأن هذا الوطن طفل مدلل أوقعته الأيام في كف الانكسار, وكأن عليه أن يستيقظ من غفوته تحت أقدام البشر, لكن الجغرافيا لا تستيقظ أبداً والتاريخ لا ينام أبداً, فهل نتبع سنة الكون أم نتبع سنة هؤلاء؟! لكنه الوطن الصامت والثابت منذ أن ولدت الأرض والتقفها الفضاء وعاشت بين كواكبه يتيمة ترعاها يد السماء.. هؤلاء المنكسرون على ماضيهم المثخن بجراح الشعوب يكمن أن يكونوا أطهاراً من خيانة الوطن, أبرياء من شلالات الدم المنسكبة من رؤوس البشر الذين رحلوا قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم!
وهل يمكن أن تستكنه العدالة من فم الظلم ؟! هل يمكن أن تجنب الرزايا إنساً؟ هل يمكن أن يخاط الجرح بأعقاب البنادق؟! كم من الآهات تطلقها مسامات الأرض وشروخ الجبال وقيعان الأودية؟! هل هذا هو اليمن السعيد الذي استضاف أعرق حضارات الدنيا؟! من أين تبدأ الحكاية؟!.. لو أطلقنا العنان لتساؤلنا سنجد أن آلاف الأسئلة لها ذات الإجابة, السياسة بأنظمتها المختلفة ووجهاتها المتعددة أوجدت صراعاً طبقياً عميقاً ومعتماً تفوح رائحته من خلال تلك الشقوق الضيقة في جدران المجتمعات الصامدة, ولعل الثورة أو الأزمة أو الفتنة التي مر بها الوطن كانت شقاً عميقاً لا يمكن أن يمنع تسرب أنتان التمييز والتهميش والإقصاء بين أبناء الشعب, ومع هذا فلا بد من الاعتراف بأن شعوبنا العربية وتحديداً هذا الشعب اليمني لا يملك الخبرة الكافية للتعامل مع مواقف سياسية مفروضة أو مرفوضة من شأن الخبرة معها دور كبير في تصحيح أو رفض أو تعديل بنودها المفضلة وفق مقاييس متفاوتة ، ومهما كان الوضع خصباً اليوم لبعض المستفيدين من أمية السياسة التي نعيش، إلا أنه ليس كذلك أمام آخرين قد يشكل لهم غياب الثقافة السياسية عائقاً بالمقارنة مع إنجازات أكبر في ظل وعي سياسي معتدل ماذا نقول؟! أنقول إننا بدأنا نفقد القدرة على التفريق بين ما يمكن استغلاله كمخرج، وما يمكن إنكاره كأداة قاتلة لكنها فاعلة في ضبط هذا التشظي الذي نعيش؟! أم نقول أن علينا الاعتراف بتلك الكبوة التاريخية التي قسمت ظهر البعير السياسي وغيرت مساره، بل ربما عطُلت لديه إمكانية السير من جديد!
ألطاف الأهدل
هل هذا هو اليمن السعيد؟ 1338