التحديث يؤدي إلى السلام والسلام يحقق التنمية والنمو، كلام عقلاني وجميل، أضيف: الديمقراطيات المستقرة لا نميل إلى الحروب لأن علماء السياسة يقولون الحرب انتكاسة إلى الوراء وتعني عدم وجود قدر كاف من التحديث.. ومجتمعات ما قبل الحداثة تخوض حروباً ناتجة عن الانتقال للحداثة أي أننا مجتمعات متخلفة تخوض حروبها لتجر إلى الحداثة.. مئات الحروب والنزاعات المسلحة، ولم نعير بل لم نصل إلى الحداثة بعد ومن الحقائق التي يدركها الجميع أن الحروب عادة إما تقود إلى تخلف اجتماعي أو إلى تقدم اجتماعي ونحن حروبنا البينية تقود إلى انتكاسات في كل مناحي الحياة.
ويعتبر العنف في ثقافتنا أحد مكونات الحداثة.. لأن الفاشيين كانوا يتسمون بالحداثة أيضاً، حداثة مقرونة بروح جديدة وحديثة هي العنف، ونعتقد بأن الحداثة تتوافق مع الحرب وطالما وجد الإنسان على البسيطة "مستقر ومتاع إلى حين" ليحقق بعض المكاسب ويعيش الرفاهية أي صراع من أجل البقاء أي عنف وحروب كان من المستحيل ألا تحدث الحروب..
لكن تنحسر لغة الحرب وفعل الحرب في الدول التي تنشد الاستقرار والتي حققت لمواطنيها استقراراً آمناً ومساواة حقيقية، بينما تزداد لغة العنف عنفاً وتبدأ الحرب رغم تكاليفها وتبعاتها في المجتمعات الفقيرة "النامية" والتي مازال الناس يتصارعون على الخدمات والحقوق ولا يعرفون المواطنة المتساوية.
في هذا الصدد قرأت مقالاً مطولاً عن "الحرب والحداثة" يقول كاتبه عن أسباب خوض الدول المتقدمة أولاً لأن مصالحها في أنحاء العالم الأقل تطوراً قد تتأثر وثانياً لأنها ـ أي الدول المتقدمة ـ تتدخل لأسباب متعلقة بالقيم لأسباب إنسانية، وثالثاً ظهور المعتدين على المستوى الإقليمي مما يجعلها تخلق تحالفات للحرب المقال المترحم لكاتبه إبان روكسبورو بريطاني الجنسية.
ترجمه محمد يونس ونشر في مجلة الثقافة العالمية العدد (105).. عودة إلى أسباب خوض الدول المتقدمة للحرب، إذا سلمنا بالأسباب المذكورة، فإننا نلاحظ أن الدول المتقدمة لا تؤمن بالأسباب الإنسانية، قد تدعي حماية الأقليات، السكان أو غيره، لكنها تبعدهم في حروبها ومن أجل مصالحها في أي منطقة تقتل وتخرب بلا رحمة أما ظهور المعتدين على المستوى الإقليمي وهو تحد لابد منه لأن المجتمعات الأقل تطوراً تظهر فيها الجماعات المتطرفة والمجموعات ذاتها الأهداف المشتركة وهذه ترفض الأنظمة المحلية والسياسية الدولية التي تفرضها الدول المتقدمة وبالتالي تحاول تهديد أمنها واستقرارها وقبل أن تتعشى بهم آلة الحرب المتقدمة، يتغدون بها من خلال النيل من مصالحها الهامة..
الحداثة في اعتقادي لا علاقة لها بالحرب لأنها تعني القدرة على الحساب والعقلانية والحرب قرار ليس فيه عقلانية ولا حسابات، لأن الخسائر والتكاليف واردة.. الحرب هي أداة من أدوات السياسة لكنها ليس عملاً خلاقاً يقود إلى نهضة أو إلى تحديث.. بل تنعكس آثاره اجتماعياً، سياسياً، ثقافياً وبيئياً؛ لذا فالحرب انتكاسة تبدأ في العقل وتنتهي بحرق الأرض وإبادة الجنس البشري وكل ما هو حي.
والكاتب يقول "متخذو القرار عليهم أن يتفهموا إلى أي مدى هم سجناء تصوراتهم الخاصة لذلك فهم عرضة للالتباس في الفهم"، وبدوري لا أتفق مع القول إن المجتمعات الحديثة في سبيلها إلى أن تصبح في وقت قريب منزوعة السلاح، العكس هو الذي حدث أصبحت المجتمعات الحديثة حريصة على السلاح وتطويره وتجريبه على سكان الدول الأقل والمنعدمة حداثة.. وكل أنواع السلاح الجديد والأجد تحتكره المجتمعات الحديثة وتحاول منع الدول المتخلفة من امتلاك أي نوع سلاح إلا السلاح التقليدي وإن باعت لها أسلحة كانت رديئة و"استايل" قديم لأن تجارة الأسلحة أصبحت قضية سياسية.
محاسن الحواتي
انتكاسات وانعكاسات 1425