رغم أنني قومية المزاج لكن وبصراحةً أنا أحب وطني جداً وأتألم إذا ما حدث لليمن أي مكروه, وفي نفس اتجاه الحب أكن للسودان الشقيق معزة خاصة, لأنها البلد التي ولدت فيها, وأكلت فيها الخير كله وتلقيت دراستي الأولية من شرق السودان.. لذلك أكره أن أسمع أي خبر سيء عن السودان.. يشغلني هم العالم العربي أجمع, لكن هم اليمن والسودان ثاني.. هذه الأيام السودان تعيش اضطرابات بسبب الزيادة في سعر الوقود وبالتالي زيادة في أسعار كثير من السلعة والخدمات, وهذا ما أدى بالشعب للخروج والانتفاضة التي وحتى اللحظة ما زالت مصغرة، إلا أنها قد تكبر وتتسع ولا قدر الله قد تشمل كل الولايات وقد يرتفع سقف المطالب إلى تغيير النظام, وهذا ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها، كونه نظاماً إخوانياً وحان الوقت لإفشال الإسلاميين في العالم العربي وتعرية نظام حكمهم حتى لا يفكروا ثانية في السلطة وحتى لا تعزم مقولتهم "أن الإسلام هو الحل".
الشيء الآخر القوى الصاعدة بقوة في العالم العربي والأكثر اعتدالاً وانفتاحاً على الغرب, هذه القوى التي سيتم تصعيدها والدفع بها إلى الأمام, بل ودعمها مادياً ومعنوياً مقابل جر القوى المعادية للغرب أن الأقل إيماناً بمبادئهم وأجندتهم إلى أتون المحرقة والرفض الشعبي..
والحقيقة أن الإسلاميين هم السبب الأول في استعداء الآخر وتهميش من هم خارج حزبهم والعمل على صبغ الحياة بلونهم دون أدنى اعتبار للاختلاف والتنوع وحق الناس في ألا يكونوا معك دوماً.
الإخوان المسلمين صعدوا إلى السطح السياسي من مصر بعد الثورة وكان عمر البشير الرئيس السوداني يمد الثوار باللحم يومياً وبطائرات محملة بالأغذية المختلفة, بمعنى أن نظامه ساهم في صعود الإخوان وفي دعم الثورة المصرية وكله من أجل الدين ومن أجل أهداف سامية في نظر الإخوان.. لكن بعد سقوط مرسي, الرئيس المصري السابق, فكرت قوى الغرب في إسقاط نظام البشير المتحالف مع إخوان مصر, بمعنى بدلاً من أن تفكروا في دعم جماعة مرسي، فكروا في كيف تحافظون على كراسيكم وكيف تقدمون الولاء والطاعة لأمريكا حتى ترضى عنكم.. أليست محنةً عربية حقيقية؟.
هناك مطابخ غربية تعمل الآن على طباخة سيناريوهات عديدة للعالم العربي, كلها مرتبطة ببعضها البعض.. فالدور على السودان الذي في عهد رئيسه البشير أصبح بلداً آخر وقبلة للمستثمرين العرب والأجانب، فإذا لم يكن هناك أمن واستقرار، نظام وقانون لما أقبل المستثمرون على إقامة مشاريع ضخمة في المجال الزراعي والصناعي و... إلخ.
اكتشافات الذهب والبترول وبناء السدود وإقامة المشروعات الصناعية والزراعية العملاقة والصناعات الحربية والعسكرية وإنشاء الكليات المتخصصة، و.. إلخ, كلها منجزات وفتوحات لا ينبغي لحكومة إخوانية أن تفخر بأنها هي التي قامت بها أو تسعى لتطويرها, لأن ذلك يعد نموذجاً لأسلمة السلطة، الحياة العامة، الثقافة وغيره.. لقد حان الوقت لتغيير النظام وما أكثر العملاء والموالين للخارج, وما أرخصهم.
بالمناسبة إخوان السودان أحلى إخوان, تصدقوا أنهم تركوا الشعب يتحول بهدوء, فما زال الناس هناك يغنون ويرقصون في أفراحهم, مختلطين رجالاً ونساء في براءة وتسامح ومحبة نادرة.. هنا فقط لن يقول الغرب أن السودان بلد فيها ثقافة التنوع الاجتماعي سائدة منذ آلاف السنين (والجندر) أصله سوداني.. (مش عاجبهم)!.. في السودان أيضاً وفي ظل حكم الإخوان ما زال رجال الصوفية وشبابهم ينشدون مدح النبي (صلى الله عليه وسلم) بأحدث الآلات الموسيقية, ورجال الدين هنا أكثر مرونة وانفتاحاً على الحياة وأكثر موضوعية وأكثر احتراماً للثقافة الشعبية.. وإخوان السودان أيضاً حتى اللحظة لم يفصلوا النساء عن الرجال في الحياة العامة حتى في المواصلات العامة كل يجلس بجوار الآخر.. أليس هذا إسلاماً معتدلاً ومتطوراً ومواكباً؟.. ومع ذلك الغرب لا يروق لهم هذا النظام.. يحيكون له الدسائس إلى أن أوصلوا رأس الدولة إلى محكمة الجنايات الدولية, وآخر مطالبهم تغيير النظام وتصعيد قوى جديدة موالية ومستعدة.
أخيراً هي متوالية، وسيناريو متوقع, فقط ما على النظام السوداني إلا أن يغير نفسه بأقل الخسائر.. لأنه لن يرضى عنه مهما فعل.. ونسأل الله أن يجنب السودان الشقيق كل الشرور والمحن.
محاسن الحواتي
الدور عليكم.. 1524