هي جُملة قرأتها على واجهة أحد باصات الأجرة، كانت تقول: (ما همني هرج الشواني .. ساسي قوي وأعرف مكاني).
وأعتقد أنها من حيث اللجة تقترب أكثر من أهلنا وأحبابنا في جنوب الوطن، شطر الجسد اليمني الجميل الذي وإن وجد اليوم من يصفق لاستقلاله وانفصاله عن أشطار اليمن الواحد إلا أنهُ لا يمكن أن يلملم شمسه وأرضهُ وحقول الفل في داخله ويغادر الوطن جغرافياً.
جملة شعرت بذرات الانتماء بداخلي تتحرك نحوها كما تتحرك ذرات الرمل في أحشاء إعصار صحراوي قاتل، لكنني ما لبثت أن هدأت نفسي واسترخت أوصالي حين شعرت أن لي أفقاً وطنياً واسعاً وأن حبي لكل ذرة في وطني تتساوى مع الأخرى شكلاً ولوناً، حجماً ووزناً, وهذا الإحساس تحديداً هو ما تحسه العامة والطبقة العريضة من الناس، شريحة الوطنيين الذين يرون الوطن لحمة واحدة حتى وإن تغيرت تركيبته الجغرافية.
نعم, فما قد يحدث في مسألة النظام الفيدرالي هو تغيير فقط في التركيبة الجغرافية والوصف الديموجرافي للأرض والإنسان معاً، أما ما يعتقده البعض من انفصال تام وتفرق كبير فهذا أمر محال ولا يمكن أن يكون.. سيتحقق شيء من الاستقلال الإقتصادي وربما الإداري والفكري، لكن اليمن ستبقى هي اليمن، الأمة العظمية التي لا نعرف لنا أماً سواها حتى لو أراد البعض تغيير معالمها الجميلة وتشويه مآثرها الفريدة, إلا أنها تبقى اليمن، ملكة الجزيرة التي عرفت معنى السلطة والحكم والمشورة والحكمة قبل ملوك اليوم وقادة اليوم وساسة اليوم في أي مكانٍ على جزيرة العرب.
لذا دندنتُ في نفسي طويلاً (ساسي قوي واعرف مكاني) حتى شعر للحظة أن لدي جناحين جميلين وأنني يمكن أن أغادر باص المواصلات العامة طائرةً بجناحي هاذين إلى كل أرجاء الوطن, فأغترف غرفةً من عسل حضرموت، وأرتشف فنجاناً من بن المخا، وأتلذذ بحفنة من زبيب صنعاء وأقرأ كتاب النضال على ساحل عدن، ثم ألون أطرافي بخضاب الحديدة وأرتدي تاج الفل كملكة وأعود، أعود إلى تعز التي يسكنها ربع سكان اليمن ومن كل محافظات الوطن.
نعم, شعرت بذلك كما يشعر به آخرون.. لذا نقول دائماً أن اليمن ستبقى بخير ولن يصبيها الوهن كما يعتقد الكثير من أصحاب العقول المتحجرة، نحن بخير طالما ولدينا الإرادة للبناء والحب للأرض والنية الصادقة تجاه بعضنا البعض أياً كان نوع العقيدة التي نعتنق.
ألطاف الأهدل
ما همني هرج الشواني! 2125