من المعاني العظيمة التي يطرحها الإسلام على موائدنا في مواسم العيد تلك الأحاسيس الراقية والمتعلقة باحتياجاتنا الروحية للانتماء إلى السماء عبر فصل أخير ننتقل عبره إلى الآخرة بسلام ونحن على أفضل خاتمة.
تلك الأحاسيس لا يمكن أن تتكرر خلال العام الواحد إلى إذا سادت ذات الطقوس وتكررت ذات المناسبة، قد لا نستطيع في ظل سلوكيات اجتماعية سائدة أن نعيش مشاعر الانتماء الديني كما يجب، ذلك أن شيئاً من الزهد والكفاف والعفاف لا بد أن يتوافر بشدة في مخرجات السلوك بين الناس وهذا ما لا نلمسه بيننا بعد أن توسعت رقعة المجاملات وتعددت بينها وسائل الاتصال المحمولة على أجنحة تكنولوجية معقدة، لكنها تكاد تكون خالية من القيم.
في أعيادنا الدينية يتجدد الإحساس بالغربة كما يتجدد الإحساس بالولاء للدين والانتماء له، ذلك أننا وطوال عام كامل تنتفض بداخلنا مشاعر الرحمة والألفة والتعاون فلا نجد من يشاطرنا مشاعرنا تلك لا من العامة ولا من الخاصة.
وكأن مواسم الأعياد والمناسبات الدينية هي وحدها من تحمل أنسام الرحمات، أما عداها من الأيام فلا مكان لشيءٍ من ذلك، وإنما الحياة بكل قساوتها وتيهها وبطشها وغطرستها.. نغفل في غير هذه المواسم عن شحن أرواحنا بالطاقة الدينية، ونتجاهل في غيرها حقوق الجار والأٌقارب، وننسى في سواها أصول التعايش وأسس التوافق بيننا وبين الآخر أياً كان اتجاهه وأياً كانت ملًته.
قد تكون تلك المشاعر- التي نعيشها بمفردنا- مشاعر قاتلة لأنها تدفعنا لرؤية الآخرين عبر أرواحنا وليس بأعيننا فقط، وهذا أقسى ما يمكن أن نفعله بحق قلوبنا الخافقة بالغربة والانطواء، نرى الآخرين مجرد مخلوقات متحجرة، فمرايا أرواحنا شفافة لدرجة تجعلنا أكثر قدرة على ألتماس التفاصيل أياً كانت.
نلمس بوضوح شيئاً من الإنسانية يتسرب إلى رقعة الواقع بسخاء، حين يقف الجميع تحت مظلة البذل وتبادل المصالح المشروع، ونكاد لا نرى ذلك حين تتغشانا رياح احتياج أو ضعف بشري، فالأيام لا تتشابه وما نبحث عنه اليوم لم يكن ضالتنا بالأمس، إنما هي الحياة ومالنا إلا أن نحياها كما هي.
ربما يفهم البعض أن في هذا تصوفاً، لكن الحقيقة أن مجتمعاً بأسره يحتاج إلى أن يمارس طقوساً تستر عورة الضعف فيه، أكثر مما تكشف نقاط القوة منه، وقد يكون من الصعب علينا كبشر إستشفاف واقعنا الموبوء بنقاط الضعف، لكننا أقدر على تحديد مواطن القوة فينا وهذا من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى.
إن مواسم العطاء الروحي لا يجب أن تتوقف في مجتمعنا الأكثر احتياجاً لقيم التواصل والعطاء نظراً لما يعانيه من فشل السياسات التنموية على احتواء قضاياه الاقتصادية الأشد بروزاً، ولا يخفى على عاقل منا أسباب هذا الشح وهذه الفاقة التي يعانيها الكثير من أبناء الوطن، ولو أن سياسة إسلامية حقيقية سائدة لما بقي بيننا جائع، لكن حتى الإسلام- بكل أسف- أصبح مصطلحاًَ متداولاً كمفردة خاصة بجماعة لا بمجتمع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ألطاف الأهدل
مواسم...!!! 1455