لا يختلف أحدهما كثيراً عن الآخر، فالضحية في كلاهما هو الإنسان وحده ولا أحد سواه، ففي كل قصة ثأر يقع الإنسان الخصم والحكم ضحية تحت سياط الجلادين الكبار الذين لا تطالهم عدالة الأرض الموسومة بالظلم والإجحاف، لكن قصص الثأر القبلي تأتي دائماً على خلفية دامية، فهل يأتي ثأر السياسيين من شعوبهم على خلفية دامية أيضاً؟.
في الحقيقة أصبح الأمر واحداً وتحديداً بعد أن انتشرت ثقافة باستخدام الاتجاه المضاد والتلويح بخيارات الفرصة الوحيدة، هذه الثقافة الوليدة جاءت لتفضح مساحات الثأر السياسي التي بقيت طي المظاريف التاريخية المغلقة على مدى أعوام مضت تتالت خلالها الأنظمة على خلفية ثأر عقائدي وكأن الثأر ليس ظاهرة قبلية فقط وإنما هو ظاهرة ثقافية وسياسية وتوشك أن تكون مذهبية أيضاً..
فمن يدري ما يحمله المشهد القادم من مسلسل الثأر اليمني الذي بدأ منذ عصور قديمة واستمر حتى اليوم، بالرغم من أن الوطن يستظل تحت غطاء ديموقراطي عالمي، يكاد يبقى مجرد مشروع استثماري مفتوح على أبواب خطة استعمارية كبيرة لكنها بطيئة جداً، ومن يدري لربما أصبح من المتوقع خلال الفترة القادمة ظهور ثأر تاريخي بين الإنسان ونفسه، فكل ما حولنا أصبح يشتد ضيقاً ويصعد حرجاً في سماء السياسة من أقصى أوردتنا إلى أقصاها.
إنه جيل الإخفاقات السياسية، فحتى تلك الثورات الشعبية التي تقوم وتنام مثل طفل مريض لا يكتب لها الاكتمال والنضوج, لأنها لا تمثل إلا رأي الأغلبية الشعبية المطحونة التي لا ميمنة تقيها ضربات المعارضة ولا ميسرة تحميها من ضربات النظام, لكن ربما كان من حسنات تلك الثورات أنها جعلت أصحاب الثأر السياسي أكثر قسوة على أنفسهم بعد أن شاهد العالم إخفاقاتهم على الهواء مباشرة!.
في الواقع نحن بحاجة لوجود محكمة مستقلة للفصل في قضية الثأر السياسي الذي بدأ غريباً وسينتهي قريباً بذات الغرابة, لأنه هجين بين ذاكرة قبلية مترهلة وعقلية نظامية متهاوية تطمح لأن تصل بمصير البشرية إلى مصير سحائب الجراد التي تتفق في جماعات مناضلة.
ألطاف الأهدل
الثأر السياسي والثأر القبلي 1537