لا يختلف اثنان أن هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم - أو تهجيره أو ترحيله من مكة إلى المدينة لم يكن إلا بسبب تمسكه بالحكمة (منحة الله لمن يطلبها ويتمسك بالسير في طريقه الموصل إليها)؛ والرسول - صلى الله عليه وسلم- لم يكن يطمع من الدنيا إلا بها فقد عرض عليه طواغيت الجزيرة كل العروض المادية المغرية التي ليس لها علاقة بالمعنى الإنساني من قريب أو من بعيد؛ المعنى الذي تاجه الحكمة وهو التاج الإلهي لم يستحقه. وعندما ظهر للرسول - صلى الله عليه وسلم - في أثناء مفاوضة الباطل للحق أن أهل مكة (السعودية) -نظام الحكم تحديدا - إنما هم أهل ماديات ولا علاقة لهم بالمعنويات وبتاجها الحكمة وهو ما استلهمه - صلى الله عليه وسلم - من عروضهم أو الثلاثة بنود المغرية لحياة المتعة (إن تريد جاها مالكناك علينا وإن تريد مالا أعطيناك وإن تريد نسبا زوجناك " فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم كل تلك السلع السخيفة عندما تقارن بسلعة الله الجنة التي يوصل إليه طريق الحكمة قائلا: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك عن هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه". لهذا اختار سيد الحكمة الهجرة إلى الحكماء؛ فهاجر الى المدينة حيث يقيم أهل اليمن (الأوس والخزرج) فهم الذين كانوا يسكنون في المدينة آنذاك؛ ولأنهم حكماء فقد أحسنوا واستحسنوا استقبال صاحب الحكمة -صلى الله عليه وسلم- فما كان منه إلا أن جاز إحسانهم بمنحهم ذلك الوسام الخالد الذي ضل وسيضل تاجا فوق كل رأس يمني حكيم يرفض أن يفاوض بدينه "الإيمان يمان والحكمة يمانية" وليمنحهم بهذا الوسام تلك الخيرية التي نقرأها في القرآن الكريم (المصدر الأول للتشريع) والذي عزز بدوره المصدر الثاني للتشريع عندما منح اليمنيين وسام الحكمة عندما قال "الإيمان يمان والحكمة يمانية" وقال تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء من عباده) واليمنيون باستقبالهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما هم "طلاب حكمة" وبشهادة الرسول السابقة ليكون دليل كافيا أن اليمنيين قد استحقوا ذلك المنح الإلهي والوسام النبوي ، فكان من الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن اختار اليمنيين عندما اختار المدينة التي كانوا يقيمون فيها متجها لهجرته، ولذين قال فيهم -صلى الله عليه وسلم أيضا "الأنصار شعار والناس دثار ولو أن الناس استقبلوا واديا أو شعبا واستقبلت الأنصار واديا لسلكت وادي الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" والأنصار هم الأوس والخزرج ذوي الأصول اليمنية. فكان فعلا أهل اليمن دثارا (رمزا لصلاح الباطن) لا شعارا كغيرهم ممن كان في الحجاز؛ لأنهم اكتفوا قديما وحديثا برفع شعار الاسلام وحماية الحرمين هذا ما تراه الأعين وتسمعه الأذان، لكن ما نبصره ونعيه هو حماية المجرمين وخيانة الحرمين والثقلين !! فالدثار "رمز للباطن القيمة أو المعنى" وما الحكمة الإ ذلك المعنى أو تلك القيمة التي قد تميز بها اليمنيون وجعلوها ذلك التاج الإلهي أو الوسام النبوي على رؤوسهم. إن اليمنيين قد يكونون فقراء ماديا لكنهم أغنياء معنويا بتاج ووقار الحكمة التي ليس من علاماتها البذخ المادي بل الفيض المعنوي (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) أي الحكمة التي اختارها الرسول -صلى الله عليه وسلم - وفضلها وتاجر بها وهاجر إليها أو إلى أصحابها ؛ خير من تلك العروض المثقلة بتراب الأرض والتي عرضت عليه من طواغيت الأرض العربية الذين كانوا تبعا لللفارسية المجوسية والرومية المسيحية وأحلافهم من اليهود؛ وحررهم الإسلام فرجعوا قادة . لهذا فهم ذلك صهيب الرومي فترك ما جمعه من المادة في مكة ليسافر للمدينة حيث تقيم والحكمة والحكماء فهاجر من كل المادية بخرقته لكن كانت المعنوية متوجة بحكمته لأنه فهم في هذه الأخيرة دولته فقال عنه -صلى الله عليه وسلم - "ربح البيع أبا يحيى" أي ربح دين الحكمة وكأن لسان حال الهدي النبوي في سياق هجرة اليمنيين من حيث يقيم البترول إلى حيث تقيم الحكمة ربحتم البيع يا نسل الحكمة والإيمان.. نعم هذا هو لسان حالنا إن نور حكمتنا سوف يخمد نار بترولكم لأن حكمتنا تستقي نورها من بارئها ومانحها وبترولكم أرضي ينتج حريقا ودخانا لا ضياء !!
إن سياق اليمنيين المهجَّرين وهو يتساوق مع هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من السعودية إلي اليمنيين (الأوس والخزرج) يشهد لهم أو يمدد لهم من جديد أنهم كانوا وما زالوا أصحاب حكمة وسيضلون أصحاب حكمة على مر التاريخ القديم والجديد والمستقبل وأنهم تجار حكمة وان الحكمة هي تجارتهم التي لن تبور.. فالسبب الذي هجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- قديما هو السبب نفسه الذي يتم فيه تهجير اليمنيين هو تمسكهم بالقيمة والحكمة وعدم رضوخهم للعبودية التي تريد تركيعهم؛ إن هذا التهجير من السعودية تساوق مع نضوج نتائج الحوار التي جاءت لتحقق مطالب الثورة المباركة وتحقق مطالب الشهداء في تحقيق أو بناء الدولة المدنية ، دولة النظام والقانون والحرية والكرامة والسيادة .. وهم كانوا يتوقون إلى بقاء مملكة التبعية بثوب الجمهورية البلد الذي ضل يعمل عقودا طويلة بريموت كنترول سعودي تارة وإيراني تارة أخرى! إن اليمنيين نشأوا مع الحكمة وتنفسوها مع كل شهيق وزفير ولن يتخلوا عنها مهما تفنن المتآمرون في إلحاق الضرر بهم.. فالربيع الإسلامي في عداد وضع أساسات /قاعدة الحرية/ التي هي بالنسبة للمتآمرين شر البلية- لأنها هي من سيقوم عليها بقية البناء فلن تحلموا بالعودة إلى زمن الحمير أو التشطير, فذلك قد ولى إلى غير رجعة !!.
د.حسن شمسان
عام الهجرة النبوية .. واليمنية (!) 1432