نعيش في بيتٍ كبيرٍ تترامى أطرافه يمنةً ويسرة, بحدود لا تستطيع أن تلمسها أيدينا، في هذا البيت يعيش الجميع بثقافاتهم الخاصة والعامة التي تختلف عن بعضها البعض بقدر اختلاف وجوههم وبصمات أصابعهم وما تحويه حجرات أدمغتهم.
بيت نجتمع فيه في السراء والضراء مهما اختلفنا في رؤانا ووجهات النظر التي تخصنا، ومهما بدى بعضنا أكثر أنانية وأقل إحساساً بالمسؤولية, إلا أنه لا بد أن يغترف من نهر الحب خلف جدران هذا البيت شاء ذلك أو لم يشأ.
هذا البيت الذي نأوي إلى حجراته كل مساء ليس كتلك المنازل الخشبية التي تتهاوى جدرانها حين تهب رياح الشمال العاتية، وليس كتلك المنازل الزجاجية التي يخشى سكانها كوارث الأرض، إنه بيت من أرض وسماء وشمس وقمر وأزقة وبشر, بيت من صنع الجميع، لهذا يستوعب الجميع..
هو الوطن الذي تغيب معانيه يوماً بعد يوم في ظل مسميات سياسية أو اجتماعية هشة لا تطعم الخبز للفقراء ولا تسقي اللبن للأطفال الضعفاء ولا تحمي النساء من وحوش متسربلةٍ بأثواب بشر.
هو الوطن الذي نحاول أن نجدهُ في أجندة السياسيين والمشائخ وقادة الأحزاب وبعض الذين رضوا أن يكونوا مع الخوالف!.. وطن نعرف تفاصيله ونكهته ولونه، لأنه لا يشبهُ أوطاناً نمت مثل نبتةٍ متسلقة وأزهرت كأغصان طفيلية متراخية.
وطن لهُ جذور لا تشبهنا وأغصان تورق أوجاعنا بلا عدد وثمار لا نستطيع أن نتذوقها, فهي من حق الكبار فقط، هذا البيت الذي نقطنه حيناً ونهجره أحايين يكاد يغلق أبوابه بعد أن جفت منابع الحنان فيه وتوقفت عن العطاء، وأصبح أبناؤه بين مسافر وعازم على السفر بعد أن أصبح مسكناً للفقراء والضعفاء والجبناء وأصحاب الجباه العاصية..
لكنه ومع هذا يبقى مثل أب قاسٍ أو أم متواكلة لا نستطيع إنكار أبوتها أو تغيير أدوارها، لذا أصبح في بيننا من يحاول الوقوف في منتصف المسافة بين أصحاب الطموح السياسي الذي لا حدود له وبين أصحاب التطرف من حملة السلاح والشعارات الركيكة والنوايا الخبيثة.
وتجدنا نسير مع هؤلاء صوب أفقٍ نراهُ قريباً ويراهُ الآخرون بعيداً جداً، نسير دون أن نحاول الالتفات حتى لا نقع بين شرً السياسة وشرَ القبيلة, لا يكن أن تلتفت إلا إلى وسط سراطٍ مستقيم تحاول السير فيه بحكمةٍ وروية حتى لا تقع فيقع خلفك كثيرون يبحثون مثلك عن وطن..
تلك الثلةُ التي تسير في منتصف المسافة بين جسد السياسة وظلها قد يصبها اليأس من رحلةٍ طويلة في أكناف وطن لا يعرفها وبشر لا يشبهون إلا أنفسهم، لكنها تمضي.. في صدور أصحابها وقود يكفيها لترى طريقاً تختفي معالمه يوماً بعد يوم ولحظةً بعد أخرى.. ونستمر، نستمر فقط, لأننا نحب هذا البيت الكبير ونؤمن أن لا أحد سوانا سيعيد ترتيبه وتغييره للأفضل، وما دامت الأبواب مشرعة لم لا نكون أول القادمين وآخر المغادرين؟!.
ألطاف الأهدل
بيتنا الكبير.. 1487