يولد الطفل وهو صفحة نقية ناصعة تنتظر ما يخط عليه الجيل والمحيط، فإذا وهو ابن جيله يشب صورة مغايرة عن أقرانه، إنه يولد وهو أرض خصبة بكر تتلقف ما يزرع فيها الأبوان والشارع والمدرسة.. ويحصد الأبوان والمجتمع فيما بعد ما قدمته أيديهم إلى أطفالهم من أخلاق وعادات وطبائع، ونحن مع الأسف نغرس في نفوس أبناءنا دون أن نشعر الضغينة والشحناء ونربي فيهم الحقد والبغضاء، فكم من أب ينهر ولده إذا كان كسولاً أو قذراً أو مهملاً في دروسه.. وكل منا يظن أو يخيل إليه أنه بتنبيهاته يثير في نفس ولده كوامن الغيرة لينشط ويجد بهدف تهذيب سلوكه.
إن الطالب ليجد في المدرسة ما يتمم عمل البيت, فقد درج المعلمون والقائمون على تربية الجيل على تقديم المكافأة والمدح للطلاب المجدين وعلى معاقبة المقصرين والكسولين، واعتمد المربون على تهيئة مسابقات يتبارى فيها فريق من الطلاب ضد فريق، فيغرسون بهذا كله في نفوس الأطفال الأبرياء الغيرة والحسد ويعتاد الطلاب النظر إلى بعضهم كمنافسين ومزاحمين..
وتلك طريقة تربوية خاطئة لتنشئة الأجيال, لو تعرفنا على الطرق الحديثة والأساليب التربوية في الدول الغربية لتنشئة أجيالها الصاعدة على نمط جديد, لقد ألغوا الامتحانات والاختبارات في المدارس، وأخذوا يلقنون الطلاب الدروس على أن العلم واجب التفهم لفائدته، ويقدر المدرس في نهاية السنة قوة ذكاء ونشاط كل طالب خلال السنة وقوة تفهمه وجده فيسمح له باجتياز مرحلة الدراسة أو يجبره على إعادة الدورة ليستكمل دراسته، وبذلك تخلصوا من إجبار الطلاب على الدراسة لاجتياز الفحص والنجاح، ومهدوا له طريق العلم والفلاح.. وفي البيئة والمحيط يخرج الطالب إلى خضم الحياة فيجد الفوارق في الطبقات، هذا ابن وزير أو تاجر أو رجل أعمال, أما هو فابن فقير، وهذا تنفتح له الأبواب والفرص لأن أباه غني أرستقراطي أما هو فتغلق دونه لأنه معدم فقير، فتثور كرامته وتتجسم المشاعر التي غرست فيه منذ الصغر, فإذا به انقلب ضد المجتمع دون أن يشعر أو يحس، فلا يقوم على خدمة بلاده إلا مكرهاً ولا يمد يد العون إلى بائس أو فقير إلا خجلاً وحياء، يكبت بين جنبيه الحسد.. والضغينة.. والبغضاء.
أخيراً لا دواء ولا علاج يشفي أطفالنا من هذا الداء إلا بأن نخضع أساتذة المدارس والمعاهد لدخول دورات علمية توجيهية سنوية، وتطوير المناهج الدراسية ابتداءً من الصفوف التمهيدية حتى آخر سنة دراسية في التعليم الثانوي والارتقاء بالكادر التربوي وطلاب كليات التربية ومعاهد المعلمين، واتباع الطرق القويمة لتوجيه الأجيال الصاعدة، والتركيز على الأطفال في مراحل التعليم الأساسي, فنستأصل منهم ما غرسناه في نفوسهم عادة فعادة.. وبذرة فبذرة.. لنعلمهم حب الخير والتسامح وحب الوطن، ولنلقنهم أن الجميع أمام الله والقانون سواسية، "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره".
د. عبد السلام الصلوي
علموا أولادكم الحياة 1297