المستقبل هذا الغامض الذي لا نعلم عنه الكثير أصبح هاجس الدراسات والأبحاث التي تحاول معرفة ما سيأتي ومن ثم وضع أسلوبية التعامل معه والتخفيف من آثار كوارثه ووضع المعالجات لها.. هذا العلم والذي يسمى علم (دارسات المستقبل) مازال في بداياته رغم تقدم العالم الأول والثاني في مضماره من خلال اعتمادهم على تقارير مراكز الأبحاث والدراسات المستقبلية بشكلٍ مستمر وبناء القرارات والرؤى من خلالاها, فيما ظل عالمانا المتخلف يقرأ الفنجان ويتعامل مع الطلاسم والأسحار ويوهم الجميع أنفسهم بأنهم عالمون ببعض الغيب.
قال (يرغوجين):" لا نستطيع التكهن بالمستقبل كلنا نستطيع صناعته".. وهذه المقولة تعطي زمام الأمور للقادرين على صناعة المستقبل من الباحثين في علم المستقبل.. هناك العديد من آليات قراءة المستقبل والتي يعتمد عليها الخبراء في هذا المجال, منها جلسات العصف الذهني, ورش الاستشراف, تحليل الاتجاهات, بناء السيناريوهات, و.. إلخ, وهذه التقنيات تجري بصورة علمية ومدروسة..
وفي المقابل كنت أفكر في جلسات القات وجلسات التفرطة التي انتشرت في بلادنا وما يدور في هذه الجلسات من حوارات ونقاشات, ألا تعتبر عملية عصف ذهني في قضايا بعينها, خاصة إذا ما كانت هناك تخريجات من عمق القضايا ورؤى جديدة جريئة؟.. يمكن الاستفادة من حصيلة الحوارات والنقاشات وإذا كانت غير منتظمة.. فهناك مقايل تفرد لنقاش قضايا أو قراءة كتاب أو تسليط الضوء على تجربة ما أو غير هذه, مقايل نوعية أذكر منها المقيل (الخيدري) للدكتور/ نزار غانم, رغم أن الموسيقى تغلب عليه ولكنه مقيل يؤتي ثماره كل حين, وحبذا لو يكون أكثر تركيزاً على قضايا محددة ويخرج في نهاية الحوار بتوصية أو أكثر تتسم بالجدية, الإبداعية, الجرأة والمرونة.
المستقبل ليس من اهتمام العرب وقد قيل:( إن العرب يتنبأون بالماضي ويتذكرون المستقبل), مع أن الحضارة العربية هي التي قدمت فتحاً مبيناً فيما أسماه ابن خلدون بـ( التشوف المستقبلي) وهو ما يعرف اليوم بالدراسات المستقبلية والتي تمتلك أوروبا وحدها (124) مركزاً وهيئة لمثل هذه الدراسات.
كلنا ذاهبون للمستقبل إلا من أبى, أي رفض, ولا أحد يرفض أن يذهب, لكن أدواتنا لركوب (أتوبيس) أو (باص المستقبل) هي التي تحدد كيف ومتى.. فالتعاطي مع القادم الأكثر جرأة والأكثر انفتاحاً, بل وتطوراً وتغيراً في مفاهيمه, هو تعاطي الضرورة, مع الأخذ في الاعتبار الثمن الباهظ والكبير لتكلفة الدخول إلى المستقبل الجديد, بتقنياته وروحه الوثابة لتكون جزءاً من نسيج عالمي أممي, وهذه قمة التحول على صعيد الفرد والمجتمع والعالم وعلى مستوى القيم الجمعية..
أن نذهب إلى المستقبل يعني أن نعد العدة كدول متخلفة استشعرت مأساتها, مشكلاتها, وإمكانياتها وعاهدت نفسها أن تذهب إلى المستقبل بكل اشتراطات وأن تعمل بوتيرة عالية على تجاوز تخلفها في قيمها, وأهمها قيم العمل والإنجاز.. الذهاب إلى المستقبل ليس سهلاً, وإلا لما نسكن الماضي حتى اللحظة.
محاسن الحواتي
كلنا ذاهبون إلى المستقبل إلا من أبى!! 1787