الطبخة بل اللعبة التي نشاهدها هذه الأيام والتي أبطالها السيسي وأمريكا وروسيا ولكل هدفه من اللعبة ولكل حصته وبالتوافق مع الآخر.
فروسيا مثلا بحاجة إلى حليف داخل المنطقة بدل الحليف السوري المترنح الذي أصبحت العلاقة معه غير ذات جدوى وخسائرها أكبر من أرباحها
وأمريكا هدفها نجاح الانقلاب من خلال بناء شعبية لقيادته لأنها تعلم مدى عداء الشعوب العربية لسياساتها الظالمة والمنحازة ضد الشعوب العربية والإسلامية ولا بأس في ظهور نوع من الاختلاف والعداوة مع السيسي بمساعدة دول الخليج التي أصبحت بين ليلة وضحاها داعمة للتقارب السيسي الروسي بمليارات الدولارات وهي التي وقفت ضد مصر جمال عبد الناصر لنفس السبب الذي تدعم السيسي الآن لأجله .
بالطبع كل ما يحدث الآن هو مخطط له ومدبر له وبرضا أمريكا وموافقتها وروسيا اليوم ليست كالاتحاد السوفيتي الأمس فهي دائما ما تقوم بأدوار متفق عليها مع أمريكا مقابل العظم التي تلقيها لها أمريكا وإلا لماذا لم نلحظ هذا التقارب مع مصر في عهد الرئيس مرسي بالرغم من أن الرئيس مرسي بادر وزار روسيا كرئيس وعرض التعاون بعيدا عن أمريكا وسياستها وعرض علاقات تقوم على أساس الندية والشراكة الدولية وليس على نفس الأساس الذي اتبعه نظام عبد الناصر مع الاتحاد السوفيتي ومن جاء بعده على أساس التبعية والعبودية.
بالطبع السيسي بعدما ضمن ولاء الليبرالين بحاجة لضمان ولاء اليسار وإيران ولا يمكن له ذلك إلا من خلال روسيا ولا بأس في علاقات مدروسة مع روسيا تحت نظر دول الخليج وأمريكا وبذلك يتفرغ السيسي للإسلاميين كما فعل جمال عبد الناصر عندما سيطر على اليسار ولم يكن للبراليين قوة تذكر آن ذاك وتفرغ لقمع الإسلاميين وتثبيت حكمه وسيطرته على مصر وبلا شك فإن هذه العلاقات مع روسيا لن تكون على حساب أمريكا فهذا اتفاق عالمي مضمونة تطبيع علاقة إيران مع الغرب وتطبيع مصر ودول الخليج علاقاتها مع روسيا وعلى الجميع المساعدة في إيجاد أسباب ومبررات هذه التغيرات في المنطقة والهدف من ذلك التفرغ لمحاربة الربيع العربي والإسلام السياسي والقضاء على الحراك الشعبي الذي سبب للعالم شرقه وغربه الصداع والقلق والخوف والرعب وكأن لسان حالهم التوافق من اجل السيطرة المشتركة ومحاربة ما يسمونه الإرهاب خير من التنافس الذي سيؤدي لخروج الجميع من اللعبة لصالح شعوب المنطقة وفي الأساس فإن القطب الأخر لا يمتلك القدرة على المنافسة بعد انهياره نهاية القرن العشرين فتحول للتعاون بدلا عن التنافس.
وبالمقارنة بين جمال عبد الناصر والنسخة المستنسخة الجديدة له السيسي فجمال عبدالناصر توجه شرقا عن قناعة ولذلك نجح مشروعة وكان له من الشعارات والبرامج ما جعلت الكثير يلتفون حوله فلقد دعم حركات التحرر في كل أنحاء العالم العربي وحتى العالم ووقف مع الفلسطينيين وغير ذلك أما السيسي فليس له تلك المقومات لأن توجهه غير صادق وإنما تنفيذا لسيناريوا معد من الخارج من أجل أهداف مرحلية ذات أبعاد داخلية وفترات زمنية قصيرة الأمد لأن نظام المحاور والأقطاب قد ولى وانتهى ونحن في عصر القطب الواحد والكل ينفذ الدور المرسوم له ليأخذ بعد ذلك المكافأة على قدر الجهد الذي بذله.
من ذلك نجد أن إمكانية نجاح هذا السيناريو محدود وحتى الذين سيسيرون في فلكه ليسوا مقتنعين به وإنما ضرورة مرحلية بالنسبة لهم وكرها في المشروع الإسلامي ودعما لإنجاح انقلاب الثالث من يوليو وهم يعلمون أن عودة مصر لمرحلة الخمسينات والستينات خيال ووهم وإن إعادة إنتاج جمال عبد الناصر لم يعد مقبولا ولا توجد أرضية مناسبة لنموه وبقاءه في هذه المرحلة وفي كل الأحوال الأيام لا تعود إلى الخلف فالعودة إلى الوراء لا شك هراء.
جلال الوهبي
السيسي والمطبخ العالمي 1693