كثير ما نسمع عن مصطلح "حقوق الإنسان"، وكثير ما نتحدث عن الحقوق ونخوض فيها مع كثير من الفلسفة والاستعراض الفكري والتباهي بامتلاك وحفظ المعلومات حول مفاهيم حقوق الإنسان التي تكاد اليوم في كثير من بلدان العالم النامي تشهد انتهاكات صارخة وهي بحاجة إلى مزيد من الثورات لكي تعيد الاعتبار للحقوق المنتهكة من قبل أنظمة العالم الثالث.
وكلنا يتذكر أن ثورات الربيع العربي لم تكن من فراغ ومن يقول أنها عبث فقد جانب الحقيقة وراح بعيداً عن واقع الحال، فالمواطن العربي "البوعزيزي" الذي أحرق نفسه لم يكن لأجل الشهرة فقد كان نتاج ظلم وقع عليه وهو لظلم الذي ظل "البوعزيزي" يعانيه مع أبناء شعبه, لكنه لم يتحمل استمرار الظلم فانفجر في وجه الواقع الذي يعاني منه فكانت صرخته وفتيله الذي بعده اشتعلت الثورات في المنطقة العربية.
الشعوب يوم أن تجد أن الظلم اشتد وأن الحال صعب تعديله فإنها لا تتحمل وبالتالي تتخذ مساراً لا يعجب الحكام وتضحي بالغالي والنفيس من أجل إركاع وإذلال الأنظمة وتجريعها الذل الذي جرعته تلك الأنظمة لشعوبها لسنوات عجاف من الحكم والقبضة الحديدية .
من المتعارف أن مصفوفة الحقوق والحريات مترابطة لا تفصلها فواصل ولا يمكن تجزئتها ، أو التنازل عنها أو عن حق من تلك الحقوق وبالتالي فمن يقول لي سأعطيك حق الحياة ولكن لن اسمح أن تعبر عن رأيك أو سأعطيك فرصة العمل وسأمنعك حق التملك أو ساترك لك حرية اختيار الحاكم ولكن لن اسمح لك تنتقد وتقول رأيك في الحكم.. سأقول له هذا هراء واعتداء على حقي وحق غيري في أن يتمتع بكافة الحقوق دون تمييز أو محاباة أو تفضيل حق على حق والتنازل عن حقوق.
الحقوق متكاملة ولا تقبل بها الشعوب مجزأة وإن قبلت فلفترة مؤقتة فقط سرعان ما تستردها، والشواهد التاريخية كثيرة في رفض الشعوب والأفراد والمجتمعات الحرة في أن تسلب حق من حقوقها وللقارئ الكريم فسحة من التخيل ليرى الواقع بعين المنصف والمتعمق في واقع العالم العربي اليوم كيف يناضل من أجل استرجاع حقوق مسلوبة وحقوق منتهكة.
الحقوق اليوم صارت أشبه بشجرة الكل يتسلقها ويقطف منها ما أراد وما يحلو له والكل يتسابق على رميها حتى تسقط له ما يريد، شجرة الحقوق لا تحتاج إلى تسلق ولا تحتاج رمي بالأحجار بقدر حاجتها لمتابعة وتعهد بالرعاية والتنمية لها فهي شجرة لن تكون ثمرتها آنية ولن تكون موسمية, بل هي شجرة ينبغي أن تظل خضراء يانعة وارفة الأوراق طول الحياة ففيها من الخير للجميع, فهي شجرة يجب على الجميع أن يستظل بظلها وان يحميها حتى تبقى فتبقى الحياة بها.
عبدالهادي ناجي علي
الحقوق شجرة يتسلقها الجميع 1956