لقد منحنا الطب في هذا العصر أسلحة ماضية تخفف من ويلات الإنسانية وآلامها وتأخذ بيد الناس في طريق الصحة والسعادة.. ولكن هل عرفنا كيف نستخدم هذه الأسلحة؟, أو هل أحسنا استخدامها؟.
إن الوقائع الطبية والإحصاءات الأخيرة أثبتت بأن الناس بجهلهم وعدم استشارتهم الأطباء أساءوا استعمال هذه الأدوية، فأفقدوها سحرها، وقوتها وبدأت جحافل الجراثيم المرضية تعتاد على هذه الأسلحة فتعدو منيعة عليها لا تؤثر بها.. ولاح الأطباء يشهدون يومياً حوادث مرضية كثيرة لا تنفع معها هذه العلاجات الحديثة وأكثرها مقلدة أو مزورة وغير معروفة المصدر.
إن "المضادات الحوية" الخمس الرئيسية وهي (النسلين ومشتقاتها، والستربتومايسين، والاريثرومايسين الذي استبدل بالابكارومايسين والترامايسين، والكلورومايستين).. وقد أظهرت في السوق الدوائية مجموعة أخرى من المضادات الحيوية مثل السيفالوسبورينات، النيومايسين، الكانامايسين، الريفامين، حامض الأمينوسالسليك، ايتامبتيول، جنتاميسين، ابيكاسين وقد ركزنا على أكثر المضادات الحيوية شهرة واستخداماً, وخاصة تلك التي تتميز بطيف واسع من الفعالية والتأثير.
تلك المجموعة من المضادات الحيوية تشكل بحق معجزة طبية.. لقدرتها على مكافحة طائفة من الأمراض الخطيرة.. حبنا للمغالاة وتناول الصحافة والأدباء لهذه الأدوية بالدعاية الواسعة، أدخل في روع عامة الشعب بأن هذه العقارات صالحة لمحاربة جميع الأمراض.. مع أن الحقائق الطبية تقرر بأن ليس لهذه العلاجات أي تأثير مثلاً على الحصبة أو النكاف أو الرشح أو الأنفلونزا.. ومع ذلك فقد ألف الناس أن يتناولوا بعض هذه العلاجات لكل توعك يصيبهم أو رشح يلم بأنوفهم وقد يصاب الإنسان باضطرابات هضمية نتيجة تخمر طعامه فيلجأ إلى النسلين أو مضاد حيوي آخر، وذلك تصرف خاطئ ويزيد حالته سوءاً.
لقد اعتاد الناس مؤخراً على معالجة أنفسهم أو أطفالهم دون استشارة الطبيب وذلك توفيراً لأجر الطبيب وزيارة المستشفيات أو بمعرفتهم بالقليل من المعلم والثقافة الصحية عن طريق الصحافة أو قراءة بعض الكتيبات الصحية والمجلات, فلا يشكو أحدهم التهاباً في الحلق والبلعوم مثلاً حتى يسارع إلى استخدام شريط أو أكثر من النسلين أو أحد مشتقاته مثل الأوكسسلين ظناً منه أنه سيقضي بذلك على الجراثيم فيشفى وما عرف أنه أساء إلى صحته ومستقبل حياته, وأن التدابير الناقصة والغير واعية المتخذة في كارثة المرض تؤدي غالباً إلى الشر, ولأن بعض الجراثيم تقاوم الجرعات الصغيرة ولا تؤثر فيها, بل وتعتاد عليها, فكم من مريض يذهب إلى الصيدلي ويعالج نفسه بحقنة من البنسلين بمقدار مليون وحدة مثلاً.. ونسى بأن هذا النوع من البنسلين يطرح من الجسم جميعه قبل مضي أربع ساعات وأن الواجب يقضي استخدام جرعة كاملة كافية لمدة أسبوع كامل.. ولهذا فإن الجرثوم الذي هجع، مدة أربع ساعات, يستعيد نشاطه بعدها من جديد ويتكاثر ويتناسل بعد أن اكتسب مناعة ضد البنسلين.. وكذلك فالإفراط في تناول المضادات الحيوية له مضاره وأخطاره.. فمنها تعطيل مناعة الشخص التي وهبته الطبيعة إياها وسحب الفيتامينات من جسمه, هذا فضلاً عن تسميمها جسم متعاطيها.
لقد خلق الله الإنسان وهو يحوي عناصر رفاعية هي الكريات البيضاء التي من شأنها تخليص الإنسان من شر كل جرثوم أو سم طارئ.. إن علماء الجراثيم يتساءلون عن مستقبل أطفالنا الذين يعالجون اليوم بهذه الأدوية لأقل وأدنى توعك بدلاً من ترك أجسامهم تنمو وتدافع عن نفسها, كما أن تعاطي هذه العلاجات يُفقد الجسم فيتاميناته تدريجياً.
وأخيراً يمكن القول بأن المضادات الحيوية إذا استخدمت بحكمة وعن طريق استشارة طبيب مختص استطاعت إنقاذ حياة المرضى وأمكنها انتشالهم من الموت.. أما إذا استخدمت عن جهل وعن غير وعي بمخاطرها وفي غير موضعها ففي إمكانها أن تضع الحياة في خطر.
د. عبد السلام الصلوي
احذروا الأدوية الحديثة والمقلدة (1-2) 1599