في حيرة يتبعها ألف سؤال عشت نصف عمري منذ أن أصبح لدي قلم وأوراق وقلب، ولعلي أعيش اليوم تحت ظلال تلك الأسئلة التي عرفت إجابتها ولم أصدقها, أو أنني صدقتها ولم أؤمن بها.. ولأني كاتبة رأي على أعمدة الصحف حاولت أن أطلب المساعدة من أكثر من صديق, لكن يبدو أن لا صديق لي يستقرئ أفكاري ويساند حيرتي ويبحث معي عن مخرج من دهاليز ذاكرة ترفض النسيان.
كيف أنسى جدارية الأسى التي يعيشها وطني؟, كيف أنسى أيادٍ تمتد وعيون أصحابها مسكونة بكل أنواع الحرمان التي لا يعرفها إلا من وُلد وفي يده ملعقة من الوهم؟، كيف أنسى لون الربيع في لوحات أطفال لا تحمل أي معنى للفرح؟, كيف أتغاضى عن صوت يهز جبال المعمورة باحثاً في ركام الأيام عن أبٍ أو أم؟, كيف أنسى تلك الطفلة التي مضغ العنف جسدها حتى أضحت مثل كيسٍ بلاستيكي أكلته النيران؟!..
ماذا أكتب عن أطفال اليمن؟, هل أحكي قصة التكوين في أرحام أمهات جائعات للسكينة وأبسط حقوق المرأة؟!, أم أحكي عن آباء يبصقون أبناءهم على الطرقات مثل شيء قذرٍ لا تتحمله أجوافهم؟!, أم أكتب عن حكومة شاخت فلم تعد تستطيع التفريق بين حقٍ لها وواجب عليها؟!.
إنهُ الواقع الذي صعقني منذ أن انخرطت في مجال الطفولة وواقعها في الوطن، فمن يأوي آلاف الأطفال ممن يذهبون ضحايا النزاعات السياسية والاجتماعية؟!, هل ستأويهم حكومة كل همها تجهيز المباني الحكومية الفخمة والمكاتب الفارهة لأصحاب النفوذ وأهل الحصانة؟، هل يأويهم مجتمع كان سبباً في ضياعهم بعاداته وتقاليده وأعرافه التي تتعامل مع الطفل وكأنه ملكية خاصة كما تتعامل مع المرأة وكأنها سقط متاع؟!, من ينصف هؤلاء الصغار الذين تحترق أفئدتهم كمداً من واقع لم يرعَ فيهم إلاً ولا ذمة؟!..
لهذا أعيش حيرة متبوعة بألف سؤال، حيرة تجعلني أصدق أننا أصبحنا غثاء بكمٍ لا يعرف الكيف وجيوش إنسانية تابعة لا متبوعة وأعواد قشٍ حملها بعير السياسة ولم تقسم ظهره, لكنها قسمت ظهر الرسالة التي جاءت من أجلها.
فأي أمة نحن وكلنا لا يرحم؟, أي أمة نحن وأغلبنا لا يعلم؟, أي أمة نحن ومنا من لحال المسلمين من لا يألم؟, وفي أي وطن نعيش نحن؟, هل يسمى ما نحن عليه الآن وطناً؟.. إنه وطن الأشقياء الذين ظنوا أن الأوطان يمكن أن تباع وتشترى، أولئك الذين استأسدت قلوبهم فأكلوا لحوم الناس ونسوا بأن للحق صولة وجولة، وإنهم من المنظرين!..
طفولة أعجز عن وصف مأساتها في مقال، وأخجل أن أرفع واقعها في تقرير، لكنني لا أجد مناصاً من لعب دور قليل الحيلة حين ينفرط من يده عقد الأسباب فيسلم أمره لله, وكفى بالله وكيلا.
ألطاف الأهدل
أعجز عن الوصف..ألطاف الأهدل 1834