حتى العواصف التي يخلفها برد الشتاء لا تشبه تلك العواصف التي نعيشها اليوم في شتاءٍ سياسي طويل لا نعلم له نهاية.. ففي الوقت الذي تسعى فيه بعض الأطراف لتصحيح المسار الديمقراطي في الوطن, نجد تيارات حزبية مناوئة وكأن الوطنية أصبحت مجرد وجهة نظر.. وإذا كان هذا هو حال الصفوة والنخبة وقادة الرأي في المجتمع فما الذي يمكن أن يكون من العامة الذين ولّوا (بتشديد اللام) وجوههم شطر أصحاب القرار ثقة بهم حيناً وتواكلاً عليهم أحياناً أخرى؟!.
لقد كنا أكثر جرأة في بداية الأمر حين كانت المسألة مجرد وقوف واحتجاج وتنديد جماعي, لكننا نعجز اليوم عن صياغة السيناريو الأمثل للفصل الأخير من قصة الثورة والذي يعد أهم سيناريو في هذه القصة منذ بدايتها وحتى اليوم..
وما حدث فعلاً أننا ربما استطعنا تشويه الصورة الرسمية للنظام ومن ينتمي له, لكننا عجزنا عن تجميل صورتنا الحقيقية حين ظهرت بجلاء في مشهد المصالح المشتركة ضمن فصل (الحرية للجميع) في قصة الثورة تلك..
ومن العيب فعلاً أن يتم التعامل مع حدث سياسي شعبي عظيم بهذا الحجم على أنه هدف ثانوي متفرع عن أهداف أساسية أخرى لا يجد لها أصحابها مسمى آخر غير أنها انقلاب شعبي!.. وبالطبع فإن انقلاباً فكرياً مضاداً يمكن أن يظهر أيضاً كنتيجة حتمية لآراء كانت تضخها قوى خفية ليلاً لتشيعها قوى ظاهرة نهاراً.. لكن كما يقال في الحكمة الشعبية دائماً, جليس الليل يغلب جليس النهار, لهذا كان من بين تلك المسيرات من ينطبق عليها قول الله عز وجل (كمثل الحمار يحمل أسفارا) صدق الله العظيم.
إن عجزنا عن تنقيح توجهاتنا يجعلنا أقل تأثيراً فيمن حولنا, ولهذا لا يمكن قياس الأثر المرجو عبر تحليل الرأي المطروح على مائدة حوار جمعت كل شيء على سطحها عدا الوطن.. إشاعة روح الجهاد في نفوس الشباب سلبية كثيرة ظهرت على أثر التعبئة الخاطئة لخلطاء الليل وجلساء النهار, أولئك الذين يرون في مصطلح السياسة مجرد مجموعة من ردود الأفعال الخالية من الحكمة.
فمن المسؤول اليوم عن تصحيح المسار الثوري بكل مخرجاته؟, هل هي الدولة بنظامها وحكومتها وسلطاتها, أم هو الشعب بإرادته وقدرته على تغيير النمط الثوري إلى نمط فكري أخلاقي إنساني قومي على أساس منطقي معقول؟!.
من تبقى من أتباع الفكرة الفردية ليس بأحسن حالاً ممن تبقى من أنصار الفكر الجمعي, لكن كلاهما يعجز عن توصيف منهجه وفق رؤية وطنية شاملة.. ولأن وضع الخطط السياسية لا يحتاج لأن يتم في الخفاء, لهذا تبقى شعوب كثيرة مثل هذا الشعب تحت خط الوعي الديمقراطي.. يقال بأن من يصنع الثورات ليس هو من يجني ثرواتها, لكن المشكلة في ثورتنا اليمنية أن من صنعها هو من بدد ثروتها, والنتيجة: عودة لنقطة البدء.
نحن بحاجة لقرار إنعاش فكري يجتث هذه الفكرة السوداوية الشائعة حول المفهوم الحرفي للسياسة, وهذا لن يتأتى إلا بوجود قيادات حكيمة تستطيع أن تحمل المسؤولية دون تردد.. أما بقاء الحال على ما هو عليه اليوم فلا أعتقد أنه يعود على الوطن بأي فائدة.
ألطاف الأهدل
لابد من التغيير 1486