ما أحوجنا في هذا العصر ـ عصر المدنية الصاخبة المضنية, إلى ما يرفه عن نفوسنا ويجلو الصدأ من أفكارنا ويمسح ما تراكم على أعصابنا المرهقة من أوصاب العمل وسمومه، وحرصاً على صحة الجسم نفسياً وعضوياً يُفضل الترويح عن النفس بقضاء إجازة سنوية في مناطق ذات طبيعة سياحية، جميلة وخلابة واللجوء إلى الصحف الهزلية لقراءتها ومشاهدة المسرحيات والأفلام الكوميدية وإلى قراءة كتب النوادر المسلية, فذلك أصفى للذهن وأدعى للفهم وأضفى للسعادة الداخلية التي تعين المرء على تحمل مشاق الحياة وويلاتها.. وهاك تعليل ذلك طبياً:
يوجد في كل جسم غدة تعلو الكلوة تسمى بالكظر.. من شأنها إفراز مادة "الإدرنالين" في جميع حالات الاضطراب العصبي والتهيج والانفعالات, "والإدرنالين" يقبض الأوعية الدموية المحيطة بشدة فترى الشخص شاحب اللون أصفر نتيجة الانفعالات النفسية كالخوف والغضب والاستعداد للقتال والعدوانية، وذلك دليل على أنه مسموم البدن.
لذلك فإن الحياة المدنية العصرية بما فيها من عواطف وانفعالات نفسية وفكرية وقراءة القصص المثيرة أو مشاهدة الأفلام المرعبة تستدعي إفراز الكظر بكثرة، وتكرار هذا الإفراز يوالي تضييق العروق المحيطية وبالتالي يحدث ما يسمى تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم.. هذه النظرية تعلل لنا سبب إصابة كثير من الناس بارتفاع الضغط.. هذا المرض الذي كان يدل على الشيخوخة وصدأ الحياة.. فأصبح مرض العصر الحاضر.. مرض الشباب ورجال الأعمال.
ولا يقف ضرر الاضطرابات النفسية والانهماك في الأعمال عند إفراز "الادرنالين", فإن الكظر يزيد في سكر الدم أيضاً, وبما أن حياتنا الحاضرة زاخرة بالانفعالات فإن السكر الدموي يأخذ بالارتفاع, مما يؤدي إلى الإصابة بمرض الداء السكري.
وخير ملاذ من قوارع الهموم.. ولواذع الغموم.. هو أن يفي المرء إلى الرضى بالواقع.. والاطمئنان بالمستقبل.. أن ينسى الماضي قدر الإمكان.. على المرء أن يحاول جاهداً قراءة النكات والمسليات وأن يرمي بنفسه ولو كل أسبوع مرة في أحضان الطبيعة الخلابة وزيارة المناطق السياحية محلياً منفرداً أو برفقة أفراد أسرته، حيث يتوفر الهدوء الشامل والسكينة المهمة والهواء النقي.
وفي عصرنا الحاضر بدأ العلماء والباحثون والأطباء النفسيون يعالجون مرضاهم وأمور الدنيا بالابتسامة الساخرة والنكتة البارعة وبذلك يضفون على أرواحهم نوعاً من السرور والغبطة والمرح، كما ينصح هؤلاء الأطباء والعلماء رجال الفكر والأعمال والسياسة بالالتجاء إلى قراءة المجلات الفكاهية للترفيه عن نفوسهم والترويح عن أفكارهم نظراً للفوائد الإيجابية على صحة المرء بشكل عام ويشعر بالراحة الداخلية والفكرية.
د. عبد السلام الصلوي
الضحك ينعش النفس ويهدئ الأعصاب 1556