لا أرى أنه من السهل على المرء منا إخفاء الكثير من تفاصيل حياته، لأن الناس يتشابهون في الكثير من احتياجاتهم ومتطلبات حياتهم، بالإضافة إلى أن الإنسان لا يستطيع العيش ضمن دائرة نفسية وفكرية مستقلة.. لذا لا مفر أحياناً من بعض المكاشفة (الفضفضة) مع الأقران في حدود معينة قد تتسع وقد تضيق، لكن يبقى في داخل كل منا مساحة شائكة لا يمكن أن يقترب منها أحد.. والأمر لا يحمل شيئاً من الغرابة لأنه مألوف ومعروف وطبيعيي إلى حدٍ كبير، لكن حين يعجز المرء عن إخفاء أسراره الخاصة ويعجز الآخرون أيضاً عن ذلك يتحول الأمر إلى كارثة أخلاقية, لأن المجتمع الصغير الجاهل الذي نعيش ضمنه سيحولون تلك الأسرار إلى سيناريوهات قصصية تمس مستقبل آخرين في نفس المجتمع، وهذا هو ما يحدث في مجتمعنا منذ زمن، فمن الملاحظ أن الإنسان اليمني لا يعطي لحياته تلك الخصوصية الراقية التي تصنع حوله حدوداً اجتماعية حامية لحُرمة بيته وبيوت الآخرين أيضاً..
لقد عملت جلسات القات اليومية في مجتمعنا على إثارة مكامن الصمت والخصوصية لأنها تحمل أجواءً درامية قاسية تدفع بالجميع إلى سرد مواقف حياتية خاصة أمام آخرين لا يهمهم أن يكونوا أهلاً للثقة ولا يمكنهم ذلك، فقد أصبح تداول سيرة حياة الناس شغلهم الشاغل، من هنا أصبح مجتمع شائعات من الطراز الأول، وإذا كنت من هؤلاء فبادر إلى إلغاء عضوية المقيل بأقصى سرعة ممكنة، لأنك ستكون من الذين يساهمون في بقاء هذا المجتمع مجتمعاً مضطرباً ومفككاً ولا يحمل هوية شخصية مستقلة، ولأنك ستكون أيضاً ممن يتسببون في التشويش حول مصطلح الحرية الشخصية والخصوصية الردية..
وحتى يكون الأمر واضحاً سنضرب مثالاً حياً، لنفرض أنك تعيش إلى جوار أسرة من أي بلد عربي أو أجنبي، هل تستطيع أن تطرق عليهم الباب مراراً للتعرف على أحوالهم وعدد الأفراد لديهم وكل ما يتعلق بحياتهم الخاصة داخل المنزل وخارجه وبمنتهى الفضول؟, هل تستطع أن تستجوب أطفالهم حول نوع وجبات الغذاء التي يتناولونها؟, هل تستطيع أن تسأل رب الأُسرة عن راتبه ومعدل الدخل الذي يحققه شهرياً؟, هل تستطيع أن تسأل ربة المنزل عن كونها حاملاً أم لا وفي أي شهر يمكن أن يكون حملها إذا كانت الإجابة بالإيجاب؟, هل تسطيع أن ترسل أطفالك يومياً أو أسبوعياً إلى هذا الجار لاستلاف القليل من الملح أو بعض حبات الطماطم؟, هل تستطيع أن تطرق باب منزلهم للزيارة في أي وقت وأنت تعلم أن هناك أوقاتاً محددة للزيارة ذكرها القرآن الكريم؟, هل تحاول التطفل على حياتهم؟, هل تتحدث مع أهل الحارة عن تدين رب الأسرة أو انتماءاته السياسية؟!.. هذا بمجمله هو ما يحدث من كل جار يمني تجاه جاره، بل يتم تداول كل تلك الأخبار في مجالس القات أيضاً, ومن هنا قد تشيع بعض الأخبار المغلوطة التي يذهب ضحيتها أبرياء.. يا جماعة اعتبروا جيرانكم أجانب واستخدموا كل ما تملكون من برستيج المعاملة معهم!
ألطاف الأهدل
البيوت أسرار 1412