مازال الواقع اليمني الراهن مفخخاً ومزروعاً بالشوك والغموض الذي ينبئ بالأسوأ, ومازالت ألغام ومرض الأنفس والعقول الآسنة تغرس الهدم وتردم فرص الانعتاق والنجاة لليمن, فكل ما يخص البناء خامل, بينما ما يخص العداء مزهر وقابل للنماء ويقتل أي فرصة لنا في تعديل اعوجاجه.
هناك غموض يكتنف كل الأحداث الجارية, وثمة أحداث تجرنا إلى مبتدأ الهزيمة وثمة من يرتكنون على المكر والضرب من تحت الطاولات لجعل الواقع يتمحور حول الفوضى والعبث لغرض في نفوس خبيثة لا تعمل لمصلحة اليمن واستقراره أي حساب, وإنما ترتكن على مصالح آنية لن تكون نتيجتها إلا ويلات أكثر.. لهذا البلد الذي لم يرَ في تاريخه المنكوب من يسعى لتطويره وانتشاله من براثن التخلف والعشوائية والركود والاتكال.
* جمهور البسطاء الغفير هو المتضرر الأوحد, لكنه أيضاً يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية ما يحدث.. فقد جعلنا الواقع المزرى يسيرنا كيفما يشاء, سرنا مع التيار كيفما كان وكيفما أراد وأينما يوجهنا وييمم عقولنا.. لا نتحاور بعقلانية, لا ننصت إلا لصراخ التعصب والعيون التي تلمع تعنداً وشرراً, لا نحاول تطوير ذواتنا وتهذيبنا وتصحيح خطأ ورثناه منذ عقود يتعلق بالسلوك والمعتقدات, وكأن ما ورثناه من الثوابت المحال تغييرها.. صرنا اتكاليين وكسالى أكثر من اللازم ولا نعمل لأنفسنا ما يفيدها ويرقى بها وبواقعنا للأفضل.. صار الترقب لما سيأتي هو أكثر شيء يشغل تفكيرنا وصرنا مشغولين أكثر من اللازم بالأحداث التي لم تحدث بعد ونتوقع حدوثها بكثير من الخوف ومزيد من الانتظار المقلق.. أشغلنا الترقب عن البناء وإحداث تغيير إيجابي والخروج من ويلات الخراب.. مستقبلنا غير مستقر وواقعنا أيضاً, ثمة انقسام في كل زاوية ومشاكل متراكمة في كل زقاق, وقبيلة تنادي بالمدنية وهي أبعد ما يكون عنها بزمجرة رصاصها وحرابها, لا استقرار أمني يكتنفنا, ولا وجداني ولا نفسي.. العالم حولنا يبني ويبدع ويبتكر ونحن نهد ونخرب ونناكف ونتصارع ونعبث ونؤجج الفتن ونكره الحياة.
*ربما لأننا تعودنا الاتكال وأن يفكر لنا غيرنا كما عودونا كي نظل تحت رحمتهم, صرنا بسبب ذلك متخاذلين وعجزنا عن البناء والتغيير للأفضل, أو بالأصح لا نعرف كيف يكون البناء أساساً.. تعودنا على الانقياد والتصفيق على الفاضي والمليان وتمجيد الأوهام, وحين أتيحت لنا فرصة أن نقود أنفسنا تخلخلت موازين عقولنا وظهرت تصرفاتنا مختلة وعجزنا أن نقود بلدنا لما هو أصلح وآمن.. تعودنا التراخي وأصبح مستحيلاً علينا أن نجتهد ونحفز الذات على الجد والإبداع في أعمالنا.. ربما لأننا لم يكن لدينا قدوة صالحة, أو بالأصح المسئول القدوة, ولم نتعود من أي مسئول أو صاحب قرار أن يحثنا على النقاش والحوار والخير والعمل الحقيقي وبما ينتفع به واقعنا بعيداً عن المصالح والفخفخة الكذبة وكلمات صورية تقول ما لا تكنه الأعماق والأفعال, صرنا متبلدي الحس والإحساس, عاجزين عن كيفية التطوير, والشاهد على ذلك مكاتبنا الحكومية الفارغة من موظفيها والمتقاعسين عن إنجاز مصالح المواطنين ومصلحة البلد أولاً, وانشغلنا بالحزب الفلاني والشيخ العلاني.
*اعتقدنا لوهلة أن وضعنا الراهن سيحفزنا على حُسن الأداء لترميم ما أفسده الإهمال فينا, غير أن الطين زاد بلة وازددنا خمولاً وكسلاً وصراعاً وتبلداً, ونجهل إلى أين سيقودنا هذا الواقع المزري, ومتى سيحين لنا أن نبني بعيداً عن الهدم والعقول المغشي عليها من الخمول والاتكال والمؤامرات والانقياد الأعمى والصراعات الماجنة؟!.
سمية الفقيه
أين ستأخذنا المؤامرات؟ 1366