المتعارف عليه أن القوى المستفيدة من فساد الأنظمة المستبدة التي أسقطتها ثورات الربيع العربي تقود حاليا ثورات مضادة تستهدف العودة بالبلدان إلى الماضي و إعادة إنتاج الأوضاع الفاسدة التي ثارت عليها الشعوب لأن هذه القوى المتضررة من الثورات مصالحها مرتبطة بالفساد ولا تستطيع أن تعمل في اطر منظومة الشفافية و الحرية و التكافؤ وقيم القانون التي تنشدها الشعوب التي ثارت لتغيير واقعها المؤلم.
و الملاحظ أن القوى المرتبطة مصالحها بالأنظمة المستبدة الساقطة تشكل فيما بينها تحالفات متناغمة تستهدف التغيير عن طريق فرض حالة من الفوضى و الانفلات و العبث و الفساد على الشعوب حتى تحبطها بعدم جدوى الثورة وصولا إلى هدفها الرئيس المتمثل في العودة بالبلدان إلى الأوضاع الفاسدة القديمة التي تحفظ لها مصالحها الغير مشروعة التي كانت قائمة على التحالف و الشراكة مع المستبدين الساقطين والتي كانت تحصل عليها على حساب معاناة الناس و حرمانهم حقوقهم .
ولإلقاء مزيد من الضوء على مكونات قوى الثورة المضادة, فسنجد مثلاً الإقطاعيين ورأس المال الانتهازي المتحالف مع الفساد يتصدر قائمة القوى المناوئة للتغيير والثورات؛ فمثلا رأينا في مصر كيف لعب الرأسماليون الفاسدون أدواراً محورية في تضليل الناس و إجهاض ثورة 25 يناير و تنفيذ أجندة الثورة المضادة و قد كشف الرئيس محمد مرسي قبيل الانقلاب العسكري عن عدد 17 شخصية من هؤلاء الرأسماليين الانتهازيين الفاسدين الذين قادوا ثورة مضادة شرسة و وصفهم بانهم يحتكروا الاقتصاد المصري و يمتصوا مصر و ظلوا يسخرون إمكانياتهم في التحريض ضد الثورة من أجل التهيئة لاستعادة نظام حسني مبارك الذي يضمن لهم استمرارية مصالحهم وامتيازاتهم على حساب إفقار و تجويع الشعب المصري .
ولأن البلدان العربية التي شهدت ثورات الربيع ظلت تعيش ظروفا متشابهة لعقود طويلة تحت أنظمة حكم الفساد و الاستبداد فالثورات المضادة التي تشهدها حاليا متشابهة إلى حد كبير في أجندتها و مكوناتها وأهدافها ففي بلدنا اليمن كشفت ثورة 11 فبراير عن شركاء المخلوع والمستفيدين من فساده الذين يقودون حاليا ثورة مضادة شرسة لإجهاض التغيير واستعادة النظام الفاسد الذي يرون فيه الضمانة لاستمرارية مصالحهم و ديمومة امتيازاتهم التي يحصلون عليها على حساب حقوق اليمنيين في حياة كريمة ولان تعز مثلت قلب ثورة 11 فبراير و أبناؤها قدموا الرصيد الأكبر من الشهداء والتضحيات, فسنجد أن هذه المحافظة تستهدف بثورة مضادة على قدر كبير من المنهجية و التخطيط و الانتقام بهدف إجهاض الثورة في قلبها و مصدرها والى اليوم ما تزال هذه المحافظة التي احتضنت الثورة تعيش في ظل نفس الظروف التي ثارت عليها في واقع مؤلم يتحكم بمفاصله عصابة من الفاسدين و اللصوص و المجرمين الذين قامت الثورة أصلا عليها
و اذا ما تعمقنا بالموضوع بتفصيل أكثر فسنجد أن الثورة المضادة في تعز يتزعم أجندتها المحافظ الرأسمالي شوقي هائل الذي كان يؤمل عليه أبناء المحافظة كثيرا في قيادة التغيير و الإصلاح لكن اتضحت الحقيقة بعد ذلك بان الرجل يستهدف الثورة و يحاول إجهاض التغيير و يتمسك بالفاسدين و ينفذ أجندة نظام الحكم العائلي الذي أسقطته الثورة والمحافظ الذي جاء من بيت تجاري كبير يحتكر النشاط الاقتصادي في المحافظة لا يقدم خدمة مجانية للمخلوع و نظامه الفاسد عندما يقود الثورة المضادة في تعز بل لأن مصالحه وامتيازاته مرتبطة بالفساد و بالتحالف مع نظام المخلوع و شراكته فهذا المحافظ الرأسمالي كون ثروته و إمبراطورتيه التجارية الضخمة في ظل الاحتكار و الاستحواذ و الاستغلال و انعدام المنافسة و السوق الحرة و الشفافية و العمل المؤسسي و هذه الامتيازات جاءت في اطار التحالف مع نظام المخلوع الفاسد وشراكته هو شخصيا في رأس ماله و أرباحه هذا إلى جانب انه- أي علي صالح- سخر هؤلاء الإقطاعيين كجزء من أداوته في إفقار المجتمع و تنفيذ سياساته التي تقوم على مبدأ ( جوع كلبك يتبعك ) وبعد عقود طويلة من التحالف و الشراكة فمن غير المعقول أن يقبل الرأسمال المحتكر الذي ظل يشتغل لعقود طويلة بدون ضوابط و يحتكر الاقتصاد و يحارب المستثمرين و يتمتع بامتيازات حصرية في بيئة مغلقة عليه من غير المعقول بعد كل هذا أن يقبل بالتغيير و الثورة التي ستجعله يمارس عمله التجاري في بيئة الشفافية و المنافسة والسوق الحرة وتكافؤ الفرص وحكم القانون.
إن المعاناة التي تعيشها تعز حاليا من تدهور خدمات و تسيد للفساد و عقاب جماعي وانفلات امني هي إفرازات و نتائج للثورة المضادة التي يقودها شوقي هائل و التي يستهدف من خلالها إحباط الناس في جدوى الثورة و الوصول بهم إلى قناعة بأن الفساد و النظام المستبد الذي ثاروا عليه أفضل من الثورة و الوضع الذي جاءت به رغم أن هذا الواقع الجديد يتحكم به أصلا أدوات النظام السابق و المستفيدون من فساده.. و حقيقة ما يجعل شوقي هائل يستميت في استعادة النظام الفاسد هو رغبته في استمرارية المكاسب المادية التي يجنيها من وراء الاحتكار و الاستغلال و العمل بدون أية ضوابط أو معايير في بيئة مغلقة عليه و هو هنا لا يهتم بمعاناة المجتمع من حوله الذي يثري على حسابه خاصة اذا ما عرفنا أن تعز هي المحافظة الأكبر كثافة سكانية و الأشد فقرا و حرمانا وتهميشا و تسجل اعلى معدلات الفقر و البطالة و تخلف التنمية والمؤمل هو أن الثورة جاءت من أجل تغيير واقع الظلم و الحرمان و التهميش و الفقر الذي فرض على المحافظة لعقود طويلة و يكون هذا التغيير بعدة أدوات منها توفير البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات الوطنية و الأجنبية لتنشط الحركة التجارية و الاقتصادية و توفر فرص عمل و هو ما سيسهم في تخفيف حدة الفقر و البطالة لكن هذه الأهداف تتصادم مع المصالح الأنانية الضيقة لفئة محتكرة صغيرة ترى أن بقاء الاحتكار و الاستغلال و البيئة المغلقة عليها و التي تجني من ورائها مكاسب مادية ضخمة و ثروات هائلة في ظل الفساد أهم من مصالح الناس و حقوق ما يقارب 6 مليون مواطن في تعز تعيش غالبيتهم في مستويات الفقر و الجوع و البطالة.
ولأجل هذه المصالح الأنانية الذاتية تشتغل الثورة المضادة و نجدها على أشدها من اجل تكريس واقع الفساد و فرض حالة من العبث و عدم الاستقرار على تعز لأن هذه الظروف هي البيئة الطاردة للمستثمرين و التي تضمن بقاء الاحتكار مستغلا لحاجة الناس و مستفيدا من ورائها ثراءً فاحشاً دون مراعاة لأبسط المعايير الأخلاقية و لعل العراقيل التي وضعت أمام مشروع المدينة" القرطية" الطبية تكشف عن بشاعة هذه المصالح التي لا تريد أحدا أن ينافسها حتى اذا كان الأمر متعلق بصحة الإنسان مباشرة.
و الخلاصة أن الأنظمة المستبدة الفاسدة التي أسقطتها ثورات الربيع العربي صنعت مراكز قوى متنوعة وتحالفت معها و مكنتها و غذتها بالفساد و سلطتها على المجتمع و هذه القوى الآن تقود ثورات مضادة شرسة من اجل استعادة الأنظمة الفاسدة لأنها ترى فيها ضمانا لاستمرارية مصالحها الغير مشروعة التي تجنيها على حساب معاناة الناس و حرمان الشعوب من حقوقها المشروعة في حياة إنسانية حرة كريمة.
إن تعز تختصر الثورة المضادة بكافة تكويناتها و تحالفاتها و أجندتها؛ فنجد الرأسمال الانتهازي المحتكر يتحالف مع بقايا النظام و مراكز القوى الأخرى المنتفعة التي صنعها من مشيخات و نافذين و ناهبين و عسكريين وفاسدين و لصوص وعصابات مسلحة و كل هذ المكونات تعمل في تناغم و تنسيق و تحت قيادة واحدة من أجل إجهاض ثورة 11 فبراير و عرقلة التغيير بهدف استعادة النظام الفاسد الذي من خلاله يحققون هدفهم المشترك في استمرارية المصالح الغير مشروعة التي يحصلون عليها على حساب المجتمع و حقوق الناس في بلد حر كريم..
عبدالله الشرعبي
لماذا يقود شوقي هائل ثورة مضادة ؟! 1694