شعرت للحظة أن الحياة من حولي أصبحت غابة إنسانية كبيرة، واختنقت كلماتي بالألم، وأحسست ولأول مرة أن الموت قد يكون هو الحل الوحيد الذي سيريحني من ألم أعانيه كل يوم لاقترابي من ميدان الطفولة في اليمن, الميدان الذي أصبح مرتعاً خصباً لممارسة كل أنواع العنف والتجارة والاستغلال..
سألت نفسي وأنا أقرأ بعض التقارير والإحصاءات: لو كان رسول الله بيننا اليوم لسألته عن حكم الشرع في هؤلاء الكبار وهل هم مسلمون فعلاً؟!.. تمنيت لو ألقاه، وشعرت أن لا أحد يستطيع أن يزيل الشك والحيرة التي تملكتني إلا هو، وسأبقى أتمنى رؤيته في قرارة نفسي حتى لا ينطفئ حماسي في البحث عن حقائق مُرة تشيب لها رؤوس الولدان، فمن يصدق أن من بيننا من يبيع ويشتري في أطفال اليمن؟, من يصدق أن الإتجار بالبشر عاد من جديد في أسوأ صوره بعد قرون من التحرر وتحطيم قيود العبودية؟!.. لكنه عاد بلون جديد وشكل فريد ليشمل البيض والسود، بمنهج الجملة والتجزئة، فأنت تستطيع شراء الأعضاء مثلاً إن لم تستطع شراء الإنسان ككل، تشتريه لتوظف كل طاقاته وأحاسيسه ومشاعره في إشباع رغباتك أو رغبات سواك من الجياع.. (وعلى خمسة ريال يا رعوي) بالبلدي الفصيح، يا بلاش، أطفال وشباب وشابات يمكن توظيفهم بكل الصور المنحطة واللا أخلاقية، لقد تملكني إحساس بالفشل لأنني وسواي من العاملين والعاملات في هذا المجال لا نستطيع تغيير هذا المنكر إلا بأضعف صورة ممكنة.
إن ما يتعرض له أطفالنا في اليمن لا يحتاج فقط لصحوة إنسانية شاملة، فما الجدوى من ذلك إذا كانت السياسة هي العائق الذي يمكن أن يخمد أي جذوة حق تخص هذه الشريحة أو سواها من شرائح المجتمع، الأمر بحاجة لتغيير السياسات ومحاسبة الحكومات ومتابعة الظاهرة وفق خطة جغرافية متكاملة قائمة على المسح والمراقبة وتطبيق النتائج واقعياً بإشراف حكومي متكامل ومن كل الجهات، ليست مراكز المراقبة أو دُور الرعاية أو مراكز الإيواء هي المسؤول فقط عن ما تعانيه أضعف حلقات المجتمع وأهمها على الإطلاق، فالأسرة والمدرسة والشارع هي الأماكن الأساسية التي تحتاج لرقابة داخلية وخارجية أيضاً, على أساس أن المجتمع الواعي ضمن هذه الزوايا الثلاث لا يمكن أن يفرط في غياب طفل أو تخلفه عن الركب التربوي أو تعاطيه لظواهر المجتمع السلبية كقيم أساسية في حياته.. لابد من صحوة تفتح أعين الناس على هذه الظاهرة المادية الجيدة التي فتحت لأرباب البطون الشرهة باباً للرزق الحرام على حساب أبرياء سيسأل الله عنهم وُلاة الأمر يوم القيامة.
ألطاف الأهدل
ليتني ألقاه.. 1292