لا يعني وصولنا إلى مستوى متقدم من (الاستهلاك) الإلكتروني أننا قادرون على توظيف هذه التكنولوجيا فيما يتوافق رغباتنا الملحة في تطوير الوسط الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي يحتوينا مادياً ونحتويه معنوياً.. فقد يتسبب الإفراط في استخدام مثل هذه التقنيات الحديثة في ضعف التفاعل مع الواقع وصعوبة استيعاب مخرجاته السلوكية, بالإضافة إلى تلاشي الدور الفاعل الذي يلعبه كل فردٍ منا في مكانه المحدد ونصيبه الوافي من الحياة.
إن جدار العزلة الفرضية الذي يعلو يوماً بعد يوم بين أبناء المجتمع الواحد, بل وحتى الأسرة الواحدة, لا يكاد يدرك وجوده الكثير من الناس.. فمواقع التواصل الاجتماعي التي يقال أنها تعزز من علاقات أفراد المجتمع ببعضهم البعض تفرض علينا اليوم نوعاً من العزلة بيننا وبين قضايا هامة في مجتمعنا, بينما تجعلنا قاب قوسين أو أدنى من قضايا أخرى لا مدى ظاهر لسطحيتها ولا أثر واضح لضحالتها ولعلها غالباً ما تتعلق بصور اجتماعية أو فردية غير ذات أهمية في صناعة الرأي العام المجتمعي كوسيلة لتحقيق التغيير الفعال في تحريك البنية الوهمية من العادات والتقاليد السلبية.
وما نعنيه تحديداً أن مثل هذه التقنية الحديثة شغلتنا عن واقعنا المحلي وجعلتنا أكثر قرباً من واقع وهمي خلف شاشات لا تزيد عن كونها مرايا لأنفسنا تنضح بما ليس فينا أو منّا..
إننا وبمجرد أن ندمن الجلوس أمامها فإننا نتوقف عن الاندماج في كتلة الجسد المجتمعي الذي نؤمن أننا أفراداً فيه لكننا لا نؤدي فريضة الانتماء إليه.. والأمر لا يخص وسائل التواصل المرئية فقط فحتى وسائل الاتصال السمعية أيضاً كان لها دورها في زعزعة السكنية المجتمعية وتحويل جزء كبير من علاقات الأفراد إلى مجرد واجب لحظي وليس التزاماً إنسانياً له حدوده الشرعية المؤطرة بالالتزام الديني أيضاً.
وفي مجتمعات قليلة المعرفة مثل مجتمعاتنا لا تلعب التكنولوجيا دوراً فاعلاً في إثراء واقعها العملي بالرفاهية الوظيفية والمعيشة المطلوبة, وإنما تؤثر على مستخدميها بشكل أو بآخر نتيجة لتركيز الاستخدام على حدّها السلبي أكثر من حدها الإيجابي إذا اعتبرناها سلاحاً ذا حدين.
وبيت القصيد أن نحاول ترشيد استخدامنا لمثل هذه التقنيات أياً كان نوعها, فقد أخذت ظاهرة الإدمان عليها كل مأخذ من المهتمين بأثر التكنولوجيا على حياة الإنسان.
ألطاف الأهدل
بيت القصيد.. 1285