نلحظ الكثير من السلوكيات الخاطئة على ردود أفعال الأطفال وتصرفاتهم، وقد يكون ذلك خلال السنتين الأولتين من عمر الطفل أمراً عادياً، لكنه يجب أن لا يتعدى هذا السن أبداً، إذ يجب أن تبدأ الأم من بعدها مباشرة بغرس القيم والمبادئ السلوكية الحسنة وإظهارها عملياً بقالب جميل وبسيط بتحويلها إلى ممارسات ملحوظة يراها الطفل أمامه كل يوم، ومن هنا تأتي مسالة الأم القدوة التي يخسر الطفل وكذلك المجتمع الكثير إذا لم تتوفر مثل هذه الأم التي نراها اللبنة الأولى لمجتمع الحضارة المنشودة.
الحضارة ليست أبراجاً زجاجية أو صرعات أزياء أو قصات شعر أو ألوان تثير الدهشة أكثر مما تتحقق الرغبة في اقتنائها، إنما الحضارة في أمة راقية، تقدر قيمة الإنسان وتثمن جهوده وتستثمر طاقاته، وتحاول جاهدة أن تخطط مشاريعها التنموية لصالح هذا الإنسان الذي يحمل فكراً ورؤية أو قدرة على العطاء حتى وإن لم يكن مبتكراً أو صاحب قدرات خارقة, فكل إنسان مبدع في مجال عمله وماهر في إبراز تفاصيل مهنته بشكل يجعلها أهم المهن في نظر الآخرين.
وإذاً فالجانب المعرفي والمهاري لأي أمة هو ما يجب أن تسلط عليه الحكومات ضوء الرعاية والاهتمام حتى تستطيع تلك الشعوب أن تضع بصمتها المميزة على جدار الحضارة الإنسانية، بالإضافة إلى ذلك فإن الجانب السلوكي للإنسان والذي يأتي كنتيجة لفكرة ومعرفة سيكون مبنياً على أسس قيمة راقية لا تخرج عن مسار البناء ولا تحيز عن سبيل التغيير.
وبالعودة إلى الأم ومكانتها ومواقفها ومهامها في مجتمعنا اليمني بشكل عام نجد أن المنهجية السلوكية المعتمدة أُسرياً وتربوياً في البيت والمدرسة منهجية قاصرة ولا تهتم بتنشئة سلوكية مدروسة وممنهجة على أساس الاستفادة منها في تربية الجيل الجديد، ولذا تظهر الهوة بين أطفال مجتمعاتنا تلك ومجتمعات أخرى تهتم بتنشئة الفتاة بشكل ممنهج وتربوي وعلى درجة عالية من الحرفية التربوية، فعلى سبيل المثال تعتمد بعض المجتمعات على تعليم الفتاة وتدريبها كل المهارات اللازمة للقيام بدروها الأسري بشكل متكامل مثل تربية الأطفال والعناية بتفاصيل احتياجاتهم، أسس التدبير المنزلي أيضاً وما فيها من تفاصيل تخص ميزانية الأسرة والطرق الخاصة بالتفاعل والتعامل مع تغيراتها الطارئة، بالإضافة إلى مهارات فنية خاصة بالتعامل مع أثاث المنزل وتزيينه والاهتمام بمظهره وأهمية ذلك بالنسبة للزوج والأطفال والجيران.
وبما أننا متفقون على أن الأم مدرسة, فيجب إذاً على أن لا نختلف على أنها مؤسسة معرفية وتربوية ومهارية مميزة, وأنها الحاضنة الأولى للطفل، فمن هنا يجب أن ننطلق في تعاملنا مع فتاة اليوم التي هي أم الغد.
ألطاف الأهدل
الحضارة تبدأ من أُم واعية 1494