من ينادون اليوم بفدرالية من إقليمين في بلادنا أو بمعنى اصح من ينادون اليوم بالانفصال, هم اليوم يحاربون الوحدة, لأن الوحدة كما يقولون هي من مكن الشمالين من نهب خيرات الجنوب, وان مما لا شك فيه حرمة أموال المسلمين والاستحواذ عليها بغير وجه حق, وسواء كان ذلك المنتهب من الشمال أو الجنوب, لكن ذلك لا يبرر الدعوة للانفصال, بل يوجب محاربة النهب وإعادة المنهوبات والسعي الفعلي للقضاء علي كل هذه الظاهرة, فكما وجب علي الناس أن يحاربوا النهب الذي كان موجوداً قبل الوحدة والتأميم للممتلكات حتي اضطر كثيراً منهم للهجرة وترك البلاد, يجب عليهم أن يحاربوا النهب الذي مورس بعد الوحدة, ولكن لا يحاربون الوحدة نفسها.. فليست الوحدة هي التي جاءت بالنهب بل النظام السابق هو الذي عطل الشريعة.. ومكن للمفسدين في البلاد وترك الحبل علي الغارب.. بل وسلط القوى علي الضعيف ومكن للكثير من أصحاب النفوذ ليستحوذوا علي خيرات البلاد وحقوق الضعفاء.
لذلك فان من مارسوا ويمارسون إلي اليوم النهب لخيرات اليمن بشكل عام ليسوا مقصورين علي جهة بعينها بل يوجدون في كل الجهات وان كانوا يختلفون بالقدرة علي ممارسة ذلك حسب نفوذ منا طقهم وقبائلهم.
ولكن لا ينكر احد أن النهب والانتهاب يمارسه أهل سفة وفساد من مناطق مختلفة من الشمال والجنوب, مما يوجب الوقوف في وجوههم وإعادة منهوباتهم إلي أصحابها وإقالتهم من منا صبهم أياً كانت هذه المناصب وأياً كانت مناطقهم وأحزابهم ومحاسبتهم علي ما كسبوه في الوظيفة العامة وإعادة الحقوق إلي أهلها.. والتعويض العادل عما لحق بهم من أضرار بسبب التعدي علي حقوقهم ونهب أراضيهم والعيش بممتلكاتهم.. .
لكن الأمر الذي ينبغي التأكيد عليه انه لا ملازمة بين الوحدة ووقوع تلك الممارسات.. إذ السطو علي الأراضي بغير وجه حق واقع في كثير من الأراضي اليمنية في الجنوب والشمال وان اختلف قدره من مكان لأخر..
ولكن ما يزيد غضب أبناء الجنوب المظلومين هو انهم لم يجدوا الإنصاف, ولم يصلوا إلي كثير من حقوقهم مما جعلهم يبحثون عن أي سبيل يصلون به إلي حقوقهم.. ولو وجدوا الإنصاف لرأينا تغير كثير من القناعات.. واختفاء الكثير من الأصوات الداعية للانفصال والمحاربة للوحدة..
إن الاستسلام لدعوى تمزيق اليمن إلي أشطار لا يوقف اليمن عند هذا الحد بكل يقين.. لان مبررات الساعين لذلك هي موجوده عند أناس أخرين في أجزاء أخرى من اليمن.. وها هي تبدأ بالظهور هذه الأيام في هبة شعبية في حضرموت وأخرى في عدن, وثالثة في الضالع ورابعة وخامسة من المناطق الجنوبية وكلاً يريد دولة لوحده, فالحضارم يرون انهم يختلفون عن العدنيين وعندهم مقومات الدولة ويقول العدني مثلة, ومثله الضالعي.. وهكذا يبدأ مسلسل التناحر والتشطير.. وخير دليل علي ذلك ما نراه هذه الأيام يحدث لإخواننا السودانيين في الجنوب, حيث انهم كانوا يرون انهم سوف يستريحون وينعمون بعد الانفصال فإذا المشاكل فيما بين الجنوبيين انفسهم تظهر بشكل اعظم واصبح الانفصال أمراً موجوداً لدى أجزاء أخرى من السودان وفي جنوبه بالذات,
فهذه صورة علها تعيد لأبناء الجنوب عقولهم إن كان لهم بقية من عقل وان يعو أن العلاج للإشكاليات الموجودة عندهم ليس الانفصال ولا الفدرالية إنما العلاج العملي هوا القضاء علي الظواهر الخاطئة والممارسات السيئة,
انك حين تتأمل في كثير من مبررات الدعوة للانفصال تجدها مرتكزة علي أسس فيها تعصب وتمييز بين اليمنيين علي أساس الأرض ودعوة منطلقها قومي.. إلا أن الواجب في كل الأحوال هوا تلبية مطالب هؤلاء الحقوقية وإيصال كل حق إلي صاحبة.. وإزالة اليأس الذي ترسخ لدى الكثيرين بسبب عدم الجدية في التعامل مع قضايا المظلومين والمماطلة الزمنية الطويلة..
إن هذا يجب علي الدولة وخاصة بعد انتهاء الحوار الوطني أن تتعامل تعاملاً جدياً مع ذلك.. وتبتعد عن التعامل بالمسكنات الوقتية, وبإمكانها أن تشكل المحاكم النزيهة العاجلة وتنظر في دعاوى المنهوبين والمسلوبين والمبعدين من أعمالهم بغير حق وتأخذ علي يد الظالم وتأطره علي الحق أطراً.. وتأخذ بيد المظلوم لتقتص ممن ظلمه.. وكل ذلك ابلغ واقوى من أي حديث في ترسيخ الوحدة في قلوب اليمنيين..
ومن تلك المظالم التي يجب رفعها علي وجه السرعة التعويض الكامل لكل متضرر في أرض أو مال أو وظيفة أو مكانة بالحق والعدل وهذا يقتضي إعادة كل حق منهوب لأصحابه ولو علي يد محاكم مستعجلة.. وإعادة كل مفصول إلي وظيفته فصل بغير حق وتعويضه عما فاته في راتبه ودرجاته واستحقاقاته الوظيفية..
إن من اكبر أسباب المشاكل والقلاقل في بلادنا بشكل عام وفي الجنوب بشكل خاص. وخاصة بعد ثورة ال11من فبرائر التي أطاحت با المخلوع صالح وأقاربه هوا ضعف أو ضياع هيبة الدولة حيث تركت القوي يتسلط علي الضعيف.. والنافذ يبسط نفوذه علي ما يشاء من حقوق الأخرين بل كانت الدولة في السابق نفسها ترعى قيام مثل هذه الأمور.. فقد استبد النظام السابق علي جميع الشعب ونهب ثروات الشمال والجنوب ووظف الميزانية العامة لمصالحه الخاصة.. وسلط المتنفذين علي أبناء اليمن عموماً.. ومارس الفساد بكل صوره فكان التغيير وأذن الله بزواله مما فتح الباب أمام إصلاح أوضاع الجنوب وكذا الشمال وخاصة بعد انتهاء الحوار.. فكان لابد للدولة أن تثبت وجودها وتفرض هيبتها من خلال معاقبة المسيئين وردع المعتديين.. فاذا كان الانفلات الأمني.. والتسيب الوظيفي.. والتدهور الاقتصادي.. والصراع الاجتماعي.. والتميز المناطقي.. هوا صنيعة النظام السابق فان المسؤولية اليوم ملقاة علي عاتق الرئيس هادى وحكومة با سندوه. إن يكونوا أقوياء في محاربة الفساد وإعادة الحقوق إلى أهلها ولأخذ علي أيدى رعاة الفساد وصانعي الخراب والدمار ومدبري الفوضى ومديري الإجرام..
فان من صنعوا الفساد في السابق يعملون اليوم علي بقائه مما يوجب التصرف الحاسم الذي يردع النفوس الشريرة. ويوقف الأعمال التخريبية.. ويعيد المظالم إلى أهلها.. فأسلوب المراضاة الذي يستخدم هذه الأيام لن يحق حقاً ولن يبطل باطلاً.. بل لابد من الحزم والقوة والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار اليمن ووحدته.. .!
عبد الوارث الراشدي
الوحدة لم تنهب خيرات الجنوب 1602