ربما تعلمت وتألمت واستفدت, عندما كنت برفقة صديق أو بالأصح طبيباً كنا نعمل سويا في إحدى المخيمات الطبية الخيرية في مدينة عدن, وبينما نحن في ذلك المسكن المؤقت.. فاذا بمجموعة من الطيور وغالبيتها ما يسمى بالغراب الأسود تتوافد على نوافذ الغرفة وأمام البوابة للمسكن, فاذا بصديقنا الأجنبي والغير عربي والغير مسلم يتوقف عن مطالعته ويؤجل عملة ويتجهز للخروج, فسألته إلى أين أنت ذاهب قال لي: سوف اخرج إلى السوق حتى اشتري بعض الأطعمة لهذه الطيور فقلت له: مالك ومال الطيور ارض الله واسعه وهو متكفل برزقها فصمم على الخروج وقال لي ألم تستشعر صياح وألم وجوع هذه الطيور؟ فقلت له: انتظر سوف نعطيهم ما تبقى من الطعام من ليلة أمس فزاد غضبه واحمر وجهه, وقال يا صديقي نحن أمة لا نغش الطيور.!! كيف يطيب لنا أن نعطيها طعاماً مغشوشاً ومكشوفاً, هذا تكبر وافتراء وخداع لهذا المخلوق البسيط فانطلق مسرعاً واقفل خلفه الباب ليذهب يشتري بعض الأطعمة لتلك الطيور حينها شعرت بالخجل وشعرت بالذنب وتألمت كثيراً وتندمت كثيراً وأيقنت أننا في غفلة.. واننا في سبات عميق ..واننا في جهالة.. واننا قد تناسينا ديننا وأخلاقنا.. واننا في انحراف وفي انتقاص. .يا الله.. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ أن يكون الأجنبي يحمل مشاعر وإخلاص وإتقان وأمانة افضل منا هذا لا يصدق...فأين نحن من هذه السلوكيات يا عرب ويا مسلمين ويا يمنين ..الناس وصلت بهم الرحمة والشفقة والحرص على حياة الطيور والحيوانات والحشرات, ونحن نقتل ونسحق ونتآمر وندمر ونقضي على البشر وعلى الإنسان العربي والمسلم خصوصاً, فلا رحمنا الطيور ..ولا رحمنا البشر من هذا المنطلق ينبغي على كل من يحمل في قلبه مثقال ذرة من إيمان ومن إنسانية ومن وطنية كان رئيساً أو وزيراً أو مسؤولاً أو مديراً أو حاكماً أو محكوماً أو متحاوراً أو موكلاً أو متحزباً أو سفيراً.. أن يستشعر معاني ومقاصد وسلوكيات ديننا.. ومنابع ومسالك ومعتقدات هويتنا وعروبتنا.. الم نكن نحن المسلمون.. الم نكن نحن العرب وأصحاب الرسالات؟ ..إذن...ما هو موقفنا.. وما هو شعورنا...وما هو نبض ضمائرنا ومشاعرنا. تجاه تلك الآداب والأخلاق والسلوك والمصداقية والحرص على الحياة والاهتمام بمخلوقات الخالق حتى ولو كان طيراً مشاغباً, فما هو موقفكم ياساسة عندما تخدعون وتغشون أنصاركم وشعبكم. وما هو موقفكم ياجماعة عندما تغررون وترهبون وتجبرون اتباعكم.. وما هو موقفكم يامن تقتلون وتستبيحون الدماء وتشردون وتنهبون وتخونوا أماناتكم ووطنكم ..وما هو موقفكم يا من تبتاعون وتشترون وتحرضون وتفسدون دينكم وتسحقون أخلاق وهوية وطنكم وأمتكم؟.. فهيا إخواني في كل ربوع الوطن الغالي أن نعلن حالة الطوارئ القصوى.. ونراجع أخلاقنا وسلوكياتنا وأعمالنا ونعيد ترتيب أوراقنا ونحسن الظن بأنفسنا وبالأخرين, فالوطن اليوم يناديكم ..والوطن اليوم يشد على أياديكم.. ويفخر بكم ويمنحكم الثقة.. ويحملكم المسؤولية.. أن تقوموا بواجباتكم.. وعليكم أن تفتحوا صفحات جديدة لتضمنوا حقوقكم ومستحقاتكم.. وتتحقق طموحاتكم وتتعمق أخوتكم ووحدتكم.. فحان الوقت أن نتعلم من الأخرين.. وحان الوقت لأن نتصافح ونتسامح.. وننشد ونحرص وننافس الأخرين على حياة المواطن اليمني.. بدلاً من حياة الطيور..
فهل يا ترى سنصحو من غفلتنا.. ونحترم انفسنا؟ أم سنظل أولئك الجبناء ..والغافلون.. والغشاشون..؟ والله المستعان..
د.فيصل الإدريسي
نحن أمة لا نغش الطير ! 1567