إن الفساد بعد نجاح الثورات كما يقال ازدادت حدته وحدث استحواذ على أراضي يتعقد أن بعض المؤشرات الاستكشافية فيها بعض الثروات وهو فساد غريب لامثيل له في الأنظمة السابقة, ولن يتوقف مثل هذا الفساد في أمتنا العربية إلا متى تم استرجاع كل الثروات المودعة في بنوك العالم حينها سيدرك كل من تسول له نفسه الفساد والإفساد والاستحواذ على مقدرات شعبه سيدرك هذا الفاسد أن لا فائدة من نهب أموال ومقدرات الشعب بطرق غير مشروعة وحتى مشروعة طالما هنالك من سيطالب بها وسيتمكن من استعادتها بقوة القانون الذي ما زال مغيباً, ولا يتعاون مع قضايا الأمة العربية مثلما يتعاون مع الأنظمة الديمقراطية كما حدث في كوريا الجنوبية التي استعادت ما نهبه حاكمها السابق ومثلما فعل شعب الفلبين الذي استعاد مليارات فيردناند ماركوس و....الخ والمشكلة الكبرى أن العالم الغربي ومسئوليه ومديري بنوكه يدركون معاناة شعوب المنطقة العربية من الفقر والعوز ويدركوا سبب قيام الثورات العربية مؤخراً والتي مازالت مستفحلة في أشدها ومع ذلك يتقاضى الغرب عن مساعدة شعوب المنطقة على استرجاع أموالهم المنهوبة بالمليارات ولا احد يعرف ويفهم كيف يساعد الغرب الحكومات الثورية الجديدة معنوياً, وحتى على استحياء مادياً ولا يساعدوا في استرجاع الثروة التي من أجلها قام معظم الثورات العربية مؤخراً في ليبيا وتونس ومصر واليمن حيث تقدر بعض المصادر حجم الأموال المودعة في البنوك الغربية بأكثر 2 تريليون دولار إجمالاً منها 400 مليار حجم أموال المسئولين العرب في دول الربيع العربي, لابد أن يدرك العالم شيء مهم أن مصالحهم تبقى باستمرار مع شعوب المنطقة لا مع حكامها الزائلون آجلاً أم عاجلاً مهما طال الزمن بهم أو قصر فالشعوب العربية بعد ثلاث عقود أدركت استحالة العيش في ظل أنظمة فاسدة استحلت الأخضر واليابس البر والبحر و السماء و الباطن ولأنفسها وتحقيقها الثراء الفاحش لهم ولأولادهم وأقربائهم وأصدقائهم .

كانت الانتفاضة الشعبية الكبرى وموجة الغضب التي أشعلها الشباب لتسقط نظام المخلوع حسني مبارك في ثمانية عشر يوماً، ومن قبلها كانت ثورة اللوتس بتونس الخضراء التي أطاحت بالدكتاتور الفاسد زين العابدين بن علي ينطلق بعدها القطار سريعاً إلى ليبيا لتكون هذه المرة ثورة مسلحة تنتصر على الطاغية معمر القذافي وتنتهي بمصرعه، لكن قطار الثورات العربية والتي أطلق عليها ثورات الربيع العربي تعثر في اليمن وانتهى باتفاق تنازل فيه الرئيس السابق علي عبد الله صالح لنائبه هادي منصور عن الحكم، وبعد التعثر كان لهذا القطار السريع أن تتعطل عجلاته، التي دهست نظم استبدادية عاتية، فقد حلّت ليبيا والسودان والعراق وسوريا بين الدول العشر الأكثر فساداً في العالم وفقاً لمؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2013م، التي اعتبرت بأن سوريا هي الخاسر الأكبر في ظل الحرب الأهلية الدائرة في البلاد, ويصنف مؤشر الفساد الدول وفقاً لمستويات الفساد في القطاع العام فيها, وضمت القائمة 177 دولة تحتل فيها الدولة الأكثر فساداً المركز الأخير والأقل فساداً المركز الأول, وحلت ألمانيا في المركز الثاني عشر، لتتقدم مركزاً واحداً عن مركزها عام 2012م, وجاءت الدنمرك ونيوزيلندا في المركزين الأول والثاني بين 177 دولة في قائمة المؤشر، أي أن نسب الفساد في القطاع الحكومي فيهما كان الأقل, وتشاركت فنلندا والسويد في المركز الثالث، بينما حلت النرويج في المركز الخامس, وقالت منظمة الشفافية الدولية إن إسبانيا تراجعت عشرة مراكز لتصبح في المركز الأربعين على مؤشر عالمي للفساد الرسمي وذلك بعد سلسلة فضائح في الحزب الحاكم والأسرة المالكة وأضافت المنظمة أن إسبانيا هي ثاني أكبر خاسري النقاط على مؤشر الفساد لعام 2013 وظلت اليونان الدولة الأكثر فساداً في الاتحاد الأوروبي بحسب تصنيف المنظمة، لكن صعودها أربع نقاط إلى 40 نقطة ساعدها على الوصول إلى المركز الثمانين بعد أن كانت في المركز الرابع والتسعين في العام الماضي, وبين الاقتصاديات العالمية الكبرى جاءت الولايات المتحدة في المركز التاسع عشر والصين في المركز الثمانين دون تغير عن العام الماضي وتحسن تصنيف روسيا قليلاً لتأتي في المركز السابع والعشرين بعد المائة، بعد أن كانت في المركز الثالث والثلاثين بعد المائة وتراجعت أيضاً مالي وغامبيا وغينيا بيساو.

واشترك في المركز الأخير الصومال وكوريا الشمالية وأفغانستان دون تغير عن العام الماضي، فيما ربحت ميانمار أكبر عدد من النقاط هذا العام مع بدء تغيير الحكم العسكري الذي ظل يهيمن على البلاد طيلة 49 عاماً في 2011م, وزادت ميانمار ست نقاط، لتصل إلى المركز السابع والخمسين بعد المائة بعد أن كانت في المركز الثاني والسبعين بعد المائة. وتقوم المنظمة، التي تتخذ من برلين مقراً، بقياس ما تلحظه من فساد وليس المستوى الفعلي للفساد وذلك بسبب سرية أغلب التعاملات التي تنطوي على فساد وعلى مؤشر المنظمة تمثل 100 نقطة أعلى مستوى للشفافية، بينما يمثل الصفر أعلى مستوى للفساد.

قبل البناء يجب الهدم وإزالة الركام القديم وتطهير الأرض ، لكن ثورات الربيع العربي لم تفعل ذلك وانتقلت سريعاً إلى مرحلة التحول الديمقراطي دون أن تمارس الزخم الثوري وتتخذ قرارات ثورية تطهر بها البلاد ومؤسسات الدولة من فلول الأنظمة السابقة وتحاكمهم على جرائهم وفسادهم واستبدادهم وتعزلهم نهائياً عن الحياة السياسية التي خربوها عقوداً عديدة ، لكن ما حدث لم يكن كذلك بل إن الثورات الشعبية سلمت أمرها في أول الأمر وبعد أن أطاحت برؤساء النظم الفاسدة ، لقيادات من ذات النظم.

 من الصعب وضع كافة الأنظمة العربية في نفس المعيار السياسي والتنموي والبيئي في بعض الدول الثرية تمكنت الأنظمة من توفير نمط حياة يفوق المعدل العالمي عن طريق ضخ عائدات النفط إما في المشاريع التنموية والاستثمارية وإما في خلق الوظائف وتأمين الخدمات والسلع بأسعار زهيدة نسبياً عن طريق الدعم الحكومي ولهذا بقيت مستقرة تقريباً بالرغم من غياب النشاط الديمقراطي الفعال وفي دول حققت مرتبة متوسطة من النمو الاقتصادي والتنمية الإنسانية مثل المغرب والأردن وتونس ومصر والجزائر ولبنان وسوريا واليمن فقد تأثرت الاقتصاديات الداخلية بموجات العولمة وارتفاع الأسعار والاحتكارات الرأسمالية والتي كانت في كثير من الحالات مرتبطة بفساد الحكومات والأنظمة في هذه الدول تحولت الرموز السياسية إلى رجال أعمال يحتكرون قطاع البزنس الدولي والإقليمي بينما تغرق الفئات الأكبر من الشعب في مستنقع الديون والفقر والبطالة, ومع أن الأحوال الاقتصادية الاجتماعية في هذه الدول المذكورة سابقاً تتشابه فإن الاختلاف في مسارات الاحتجاجات فيها جاء نتيجة تباين مستويات القمع السياسي والأمني، حيث شهدت الدول التي مورس فيها القمع بمنهجية شديدة ثورات لم تقبل إلا بتغير نظام الحكم، بينما تمكنت الأنظمة التي وفرت بعض أجواء الحريات العامة من استيعاب الاحتجاجات الشعبية.