وجع الإنسان وآلامه وآهاته، تدفعه كلما اشتكى منه عضو إلى اللجوء للمباني التي يرتادها رجال ونساء اتخذوا من اللون الأبيض لباساً، ومن مهنة المداواة عملاً ورسالة.. فقد مثّلت المستشفيات ومنذ الأزل أماكن تشيع البلسم على الأوجاع في صورة من صور الارتقاء بالأداء الإنساني إلى أسمى حالاته.. لكن الألم يكون قاسياً حين يتسبب من يقصده الناس ليداوي جروحهم بجرح آخر قد يبقى ينزف مدى الحياة.. حتى لو كان ذلك على سبيل الخطأ.. فقد مثّلت الأخطاء الطبية أحد أقسى حالات الألم في نفوس من تعرضوا لها؛ نظراً لوقعها النفسي القاسي، وخطورتها.. وعلى الرغم من تقدير الناس لمهنة الطب، وحُسن الظن المطلق بالأطباء والممرضين والممرضات، إلاّ أن صعوبة وألم الأخطاء التي قد يرتكبونها يكمن في وقعها النفسي الصعب، فكيف لمن يستجير به الناس هرباً من الآلام أن يزيدهم ألماً !.
إنها كالجمر المغطى بالرماد تعطي الأمان للناظر من بعيد، لا أحد يرغب بالمجازفة بنبشها كي لا يُلسع ويواجه الجانب المرير المؤلم من واقعنا الطبي والصحي ..... كنت قد كتبت في مقال سابق عن الخطاء الطبي بين الخطاء والإهمال، وها أنا أعيد الكتابة عن الأخطاء الطبية وذلك نتيجة لحالنا الملموس جراء هذه الكارثة الأنسانية.
فبرغم من وجود بعض المستشفيات المتخصصة والكوادر المؤهلة، إلا أن ذلك لا يبعدنا عن الواقع المؤسف، يعتقد البعض بأن الأخطاء الطبية عادية ومحدودة ... لكن المتابع لتلك الأخطاء التي تحدث في المستشفيات بشكل دقيق يعرف أن حجم هذه الأخطاء كبير جداً، وفادح أيضاً .
لقد فقدنا الكثير من الأرواح البريئة بسبب الأخطاء الطبية في المستشفيات وإهمالهم بالمعدات الطبية، فهنالك الكثير من الناس لا يستطيعون تحمل الميزانية لمستشفيات أفضل، ولعل من أسباب استمرار هذه الأخطاء وتفاقمها هو عدم اتخاذ العقوبات الرادعة مع الأطباء الذين يتسببون في مثل هذه الأخطاء.
لقد باتت الأخطاء الطبية تشكل هاجساً مقلقاً للمريض بعد تزايد معدلاتها في الآونة الأخيرة والتي في أغلب الأحيان تكون إما مميتة وإما تسبب عاهة تستمر مع المريض طول حياته ما أدى إلى فقدان الثقة في الأطباء والمستشفيات.
المحظوظون من المرضى قد يخرجون وهم على كراسي العجز «المتحركة» أو عاهات يطاردون بها الأطباء والمستشفيات في المحاكم وهناك من دفعوا حياتهم بالكامل ثمناً لجريمة طبية عنوانها الإهمال ليدفع المريض الثمن في النهاية الأمر الذي يستدعي فتح ملف الأخطاء الطبية .
لقد صور لنا مسلسل الأخطاء الطبية الذي لا ينتهي، الأطباء إلى أشباح في نظر المجتمع، وما بين قلة الخبرة وبين الاستغلال المادي يتوه المريض، ويتحول إلى سلعة للمتاجرة والاستغلال، وفي النهاية يكون هو الضحية.
وباتت الأخطاء الطبية تشكل هاجساً مقلقاً للجميع، وتجعل الكثير يفكر مراراً قبل الذهاب لطلب العلاج مما يسمعه عن الكثير من الأخطاء، التي قد تكون مميتة في كثير من الحالات؛ ما أفقد الكثيرين الثقة في الخدمات الطبية المقدمة لهم في بعض المستشفيات الحكومية والخاصة، ولعل غياب الإحصاءات الموضحة نسبة الأخطاء الطبية داخل الوطن يقف عائقاً أمام تحديد حجم الكارثة، ومع غياب دور وزرة الصحة في الرقابة على من يتسببون بمثل تلك الكوارث، فقد بات من المؤكد للجميع أن مسلسل الأخطاء الطبية بدأ منذ وقت ليس بقصير، لكن لا أحد يعلم متى سينتهي؟
سؤال نوجه إلى وزارة الصحة ممثلة بمعالي الوزير، إلى متى سيظل مسلسل الأخطاء الطبية بالاستمرار ؟ ومتى ستصحي وزارة الصحة من سباتها ؟! .
وهل أرواح المواطنين على هذا الوطن تعني لهم شيئاً ؟ أم أنها أروح يمارسون عليها تجاربهم ؟
رائد محمد سيف
إلى متى سيستمر مسلسل الأخطاء الطبية ؟ 1595