ليست المشكلة في العائلات السياسة بقدر ما تكمن المشكلة في البيئة التاريخية والجغرافية والاجتماعية اليمنية ومستوى العقلية وتدنى مستوى التعليم الحقيقي القائم على الفهم البعيد عن التقليد وحب الظهور والتشبه بالأخرين.
إن العوامل الجغرافية والتاريخية والاجتماعية تشكل حواجز تقف عائق أمام بناء شعب بالمفهوم القانوني.
لا أدري إن كانت الدولة الفدرالية تمثل منجزاً لعبدربه منصور هادي أو هي محطة تراجع للشعب اليمني إلى الخلف.
العائلات السياسية في اليمن عائلات متحضرة ولديها قدر كبير من الثقافة وقدره فائقة على التعامل مع الواقع السياسي.
ولكن المشكلة الأساسية تكمن من وجهة نظري في عاملين أساسين هما التركيبة الاجتماعية لليمنين والتركيبة النفسية لهم.
إن هذان العاملان هما أهم العوامل وهما عاملان أساسيين يعيقان بناء الدولة المدنية الحديثة في اليمن ويهددان الشعب اليمني بالانفصال.
بالإضافة إلى العوامل الأخرى الجغرافية والتاريخية والأيدولوجية ومستوى التعليم التي تمثل عوامل مساعدة وغير أساسيه.
إن التقسيم إلى أقاليم في الدولة الاتحادية قد يكون جاء ملبياً لبعض هذه العوامل أو على الأقل محققاً لقدر كبير من العامليين الأساسيين المذكورين سلفاً.
إلا أن السير على هذا المنوال وإن حقق جانباً من هذان العاملان إلا أنه قد لا يخدم الوحدة اليمنية ولا يحقق بناء الدولة المدنية بقدر ما يحقق بيئة تساعد وتمهد على الانفصال والتقاسم.
إن عوامل التقسيم ومعاييرها لم تعتمد على أسس علمية وقانونية تحقق العدالة والمساواة في الثروة والمشاركة العادلة في البناء بقدر ما تلبي رغبة الشعب في الانفصال والابتعاد والتنافر.
وهنا من الضروري أن نقف أمام نقطتين أساسيتين:
1- أن معايير التقسيم المعتمدة في بناء دولة اتحادية أساسها معايير شعبية لا قانونية ولا تمت للمعايير العلمية بصلة.
2- وأن سيطرة هذه المعايير الشعبية دون غيرها والابتعاد عن المعايير العلمية أساسه الثورة الشعبية التي جاءت معبرة عن إرادة شعبية في الابتعاد والتنافر في حدود دولة اتحادية على أقل تقدير.
وسيترتب على ذلك نتيجة مفادها الابتعاد بقدر معين عن بناء دولة مدنية على أساس احترام المبادئ الدستورية العليا والتي أهمها العدالة الاجتماعية في الثروة والمشاركة في البناء.
هذا الابتعاد سيكون جلياً في مركز الدولة ومرافقها السيادية كما سيكون بارزاً في إطار كل إقليم, هذا على افتراض أننا وصلنا إلى هدف الدولة الاتحادية ونشأت بالفعل الأقاليم.
ذلك أن العائلات السياسية نفسها مختلفة في العقلية والثقافة وأسلوب التعامل مع الواقع السياسي باختلاف البيئة في إطار اليمن الواحد.
هذا الاختلاف الذي منشأه اختلاف البنية الاجتماعية والنفسية واختلاف المعتقدات الدينية كان سبباً لاختلاف هذه العائلات السياسية في التعامل مع الواقع السياسي اليمني.
وسيظل هذا الاختلاف في التعامل مع الواقع السياسي قائماً طالما كان الاختلاف قائماً في الأساس, ولا يمكن لنا حل هذه المشكلة إلا من خلال التركيز على بناء الشعب اليمني أحد العناصر الأساسية للدولة في الفقه الدستوري.
د. ضياء العبسي
العوامل الشعبية وتأخر بناء الدولة 1444