قرار محكمة الأمور المُستعجلة في القاهرة بحظر حركة حماس الفلسطينية في مصر حماقة كبرى، قد تنتج عنها تطورات سلبية لا تخدم القضية الفلسطينية، ولا تخدم العلاقات الكفاحية المُشتركة بين الشعبين الشقيقين المصري والفلسطيني.
وليس ذلك بسبب من وزن حركة حماس في الساحة الفلسطينية أو دورها أو رؤيتها أو حتى تكوينها السياسي والأيديولوجي وجملة مواقفها، بل من النتائج الكارثية التي قد تتمخض عن قرار كهذا، حيث يأتي القرار (شئنا أم أبينا) ليخدم المناخات العامة "الإسرائيلية" والأميركية وبعض المناخات الغربية، التي ما كلت ولا ملت وهي تدعو لاعتبار حركة حماس تنظيما إرهابيا.
وهو ما يدفع نحو إعطاء المسوغات للموقف "الإسرائيلي" ليس من حركة حماس فقط بل من عموم القوى والفصائل في ساحة العمل الوطني الفلسطيني بما فيها حركة فتح لتجريمها والتأكيد على ضرورة تصنيفها باعتبارها من قوى الإرهاب العالمي.
الكيدية السياسية
المنطق السياسي السليم جانَبَ الجهات المصرية المعنية هذه المرة مُجانبةً كبيرة، فإدارة الخلاف بين مصر وحركة حماس بهذه الخفة وعبر المحاكم والاتهامات الاسترجاعية، تتجاوز منطق السياسة العاقلة والراجحة باتجاه التسرع والابتعاد عن التعقّل، حيث لا تدار السياسة بهذه الطريقة وبتلك الأساليب وبالمنطق الكيدي.
فحديث المحكمة المصرية عن تقارير تؤكد "تورط" حركة حماس في اقتحام الحدود عام 2008 واقتحام عناصرها السجون في 2011 وتهريب عناصر مُحتجزة إلى أماكن مجهولة، بتُهم استرجاعية لمن يريد أن ينبش ملفات من أجل توفير مادة مُفبركة لإدانة الآخر، وهي تهم مُضحكة ومُثيرة للسخرية مَثَلُها كتهمة "التخابر مع حركة حماس".
إن الخطير في هذا القرار ما قد يترتب عليه من نتائج على أكثر من جانب، فرئيس محكمة جنايات الجيزة، المستشار زكريا شلش أوضح بأن "القرار يترتب عليه منع دخول أي من أعضاء حركة حماس إلى البلاد، وإلقاء القبض على أي من أعضاء الحركة الموجودين في مصر"، وهو بذلك يجاري وينسجم بالنتيجة العملية مع الموقف "الإسرائيلي" عند الحديث عن حركة حماس، ويُسهم بشكلٍ فعّال بتحريض الحالة العامة عند قطاعات واسعة في مصر على الفلسطينيين تحت دعوى وجود ممارسات ذات طابعٍ أمني لحركة حماس في مصر مع سيل الاتهامات التي تم توجيهها إليها، وتصوير دورها وتدخلها في مصر وكأنها بيضة القبان في مسار تقرير المُستقبل السياسي وخيارات الشعب المصري.
وفي جوهر الأمر، فإن القرار المصري الصادر عن محكمة الأمور المُستعجلة قرار مسلوق ومُتسرع بل ومُتخبط، ولا علاقة له بالمنطق، فهو قرار كيدي سياسي بالدرجة الأولى، ويأتي في سياق تصفية حسابات داخلية مصرية مع حركة الإخوان المسلمين المصرية ليس للفلسطينيين أي علاقة بها لا من قريب ولا من بعيد.
شيطنة الفلسطينيين
إن حركة حماس وغيرها من القوى الفلسطينية لا وجود حقيقياً لها في الساحة المصرية، وكل وجودها (إن تحقق) لا يتعدى الوجود التمثيلي السياسي، وحركة حماس في هذا المجال شأنُها شأن كل القوى الفلسطينية لا تمتلك مقرات أو ممتلكات في مصر، ويقتصر الأمر على مبنى مُستأجر يقيم فيه الدكتور موسى أبو مرزوق في القاهرة على حد ما تشير إليه المصادر المصرية ذاتها.
كما أن القرار المصري، وإن تحدث عن حركة حماس بالاسم، إلا أنه يفتح الطريق واسعا أمام "شيطنة الفلسطينيين" وهي العملية الجارية منذ وقت على أكثر من ساحة عربية، حيث المُتاجرة الرخيصة بآلام الفلسطينيين في أزمات تلك البلدان.
وبالطبع فإن عملية "الشيطنة" تؤدي بنتائجها العملية لتضييق الخناق على اللاجئين الفلسطينيين في دول الطوق المحيطة بفلسطين التاريخية وتدفع بهم نحو التفكير بالهجرات البعيدة والخروج من "بلاد العرب أوطاني" ليصبح (وكما قال أحدهم) صقيع (كندا) أكثر دفئا على اللاجئين الفلسطينيين، الذين تطالهم كل يوم دعوات "الشيطنة"، ولتصبح حرارة صحراء (فكتوريا الكبرى) أكثر لطفا ورحمة من نظرة اللبنانيين إلى اللاجئ الفلسطيني في لبنان على سبيل المثال.
وبالنتيجة دفع الفلسطينيين وتحديدا فلسطينيي الشتات للقبول بالتهجير والهجرة إلى كندا وأستراليا والولايات المتحدة، بحسب ما يخطط له الوزير الأميركي جون كيري في خطته العتيدة المطروحة على الطاولة في هذا الوقت بالذات.
الشماتة المرفوضة
لقد قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهي الفصيل الثاني من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والقوة اليسارية الأساسية في الساحة الفلسطينية، قولاً متزناً جداً حول القرار المصري الأخير بشأن حركة حماس ومخاطره وارتداداته المتوقعة.
فقد تحفظت عليه وقالت قولاً سديداً في هذا المضمار ومعها العديد من القوى الفلسطينية التي لا تقف موقف الشماتة، بل تُفكر بصوت المصلحة الوطنية الفلسطينية، حيث لا يمكن لأي فلسطيني وطني أن يوافق على قرار كهذا كونه يتجاوز الحقيقة ويزور الوقائع في أهم فقرات مقدمته.
فحركة حماس (وليس دفاعا عنها) لم تُمارس إرهاباً في مصر كما يردد البعض، بل تَدخلت إعلامياً في الشأن المصري وقد سُجلت ملاحظات على هذا الأداء، وطلب العديد من الشخصيات والقوى الفلسطينية من قياداتها ضرورة تجنب هذا الأمر لما له من انعكاسات سلبية على عموم الحالة الفلسطينية، لكن هذا شيء والتمهيد لاعتبار حركة حماس "مُنظمة إرهابية" شيء آخر يؤدي بشكل أكيد للتساوق مع التصنيف "الإسرائيلي" والأميركي بالنظر لحركة حماس وعموم القوى والفصائل الفلسطينية المنضوية في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
لقد اختلفت منظمة التحرير الفلسطينية والعديد من قواها وفصائلها مع مصر في لحظات تاريخية مُعينة وفي مفاصل كثيرة، وحتى مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي قَبِلَ بمبادرة وزير الخارجية الأميركي (وليم روجرز) عام 1970 بينما رفضتها المنظمة وجميع القوى الفلسطينية في حينها.
واختلفت أيضاً مع الرئيس أنور السادات وخطه وبرنامجه ومعاهدة كامب ديفيد الأولى، ومع كل هذا وحتى في أوج الخلافات عندما قُتِلَ الكاتب المصري الكبير يوسف السباعي على يد مجموعة فلسطينية مُنشقة تعود لحركة فتح المجلس الثوري بزعامة صبري البنا (أبو نضال) عام 1985م في نيقوسيا، لم تَقُم في مصر أي جهة بالدعوة لاعتبار أي من فصائل العمل الوطني الفلسطيني تنظيمات إرهابية.
إيجاد المخارج
إن الأمر هنا، وبالنسبة للشعب الفلسطيني، لا يتعلق بحب حركة حماس أو كرهها، بل في إدانة ورفض استخدام فزاعة حركة حماس والشعب الفلسطيني في المعادلة والحسابات المصرية الداخلية، فهذا الأمرُ غير مقبول ولا يصب في صالح الاستقرار في مصر ومُستقبل نظامها السياسي.
ويتأكد ذلك خصوصاً بالنظر إلى الدور الإيجابي لمصر على صعيد المساعدة من أجل إعادة الوحدة للبيت الفلسطيني، ونحن هنا لا نريد أن نخسَرَ الدور المصري في هذا الميدان، ومصر دورها كبير، حيث لا يمكن إتمام الوحدة الوطنية والوصول إليها دون الدور المصري المؤثر نظراً لمكانة مصر في المعادلة الفلسطينية.
إن القرار المصري السياسي والمُتسرع الذي تناول حركة حماس، يعني حال الاستمرار فيه اختزال الدور المُؤثر تاريخياً لمصر في الساحة الفلسطينية، كما يعني تخلي مصر عمليا عن دورها في رعاية المصالحة الوطنية الفلسطينية، بل وسيؤدي تلقائياً لانسحابها من دورها في جهود المصالحة.
لذلك هناك قلق من تداعيات هذا القرار غير العاقل وغير المدروس على الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية وخصوصاً منها بالنسبة لقطاع غزة.
ومن هنا فإن الضرورة تفرض إيجاد مخرج لهذه الأزمة يُلبي مصالح الشعبين الفلسطيني والمصري، كما يُلبي حاجات ومصالح الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على وجه الخصوص، وهو الذي يدفع كل يوم فواتير الانقسام الفلسطيني الداخلي وتردي العلاقات المصرية مع حركة حماس.
لقد بات من المطلوب قيام تحرك فلسطيني عاجل وعدم التشفي وتجاوز الكيدية السياسية لتطويق الأزمة بين مصر وحماس، ليس دفاعا عن حركة حماس بل هو دفاع عن الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية، وتحسب الارتدادات والنتائج السلبية لقرار كهذا على الفلسطينيين وعلى قطاع غزة.
الجزيرة
علي بدوان
مصر وحماس والقرار الكيدي 1341