الزبيري هو ملهم الثورة اليمنية الأول, وهو أول من صحح مسار النظام الجمهوري في طوره الأول وأول رائد للدولة المدنية وأول داعٍ لها وأول من عَبرت كلمات حدود المستحيل فأيقظت مضاجع المستبدين وزلزلت عروش الظالمين وقد كانت كلماته (حُمماً ) عليهم فيما كانت للشعب المظلوم برداً وسلاماً تُهوِن عليه ظلمه وتَجبُر مصابه من جهة ووقوداً وطاقة جبارة تدفعه للتحرر من ظُلامه من جهة أخرى..
لم يكن قلبه ينبض إلا لأجل الوطن ولم تكن طيب أنفاسه بشهيقها وزفيرها وآهها إلا لأجل اليمن والأمتين العربية والإسلامية لذلك لم يكن غريباً أن يكون قلبه الدامي هو أغلى ما يحبو به وطنه والذي احتضنه ثراه ليكون بذرة يرعاها ويتعهدها بالرعاية لتثمر بعد عقودٍ عن أبناءٍ أحرار ينهجون نهج أبيهم (أبي الأحرار) ويسيرون على دربه وينبشون الآه من تحت الثرى حُمماً ويجمعون الدمع طوفاناً يزيلون بهما كيد الطغاة وينفونه إلى حيث لا رجعة..
أبو الأحرار لم يولد ليموت وإنما ليظل حياً بدعوته للحرية ومقارعة الظلمة ولتظل فكرته وجهاده وآراؤه وشعره وشاعريته منهاجاً ينهل منه دعاة الحرية وليستخلصوا منه (وِرداً) يومياً تتزود منه أرواحهم وعقولهم وضمائرهم المبادئ السامية والقيم العليا لحب الأوطان والآلية الحقيقية لبنائه والدفاع عنه وكيفية التعايش فيما بين أبنائه..
ستظل كلمات (أبي الأحرار ) رايات خفاقة يستلهم منها الأبطال معاني البطولة والتضحية والإباء والفداء، وستظل كلماته معيناً وماءً رقراقاً ينهل منه عطاش الحرية والداعين والساعين إليها، وستظل كلماته ظلاً وارفاً ونسيماً عليلاً يتمتع بهما عشاق الأوطان والمتيمون بحبه.
ها هي الذكرى التاسعة والأربعين لرحيل(أبي الأحرار الشاعر الشهيد/ محمد محمود الزبيري ) تحل علينا ولسنا بصدد لطم الخدود ولا شق الجيوب ولا إلى شد الرحال إلى قبره وإنما علينا أن ندرك أنه في الثلاثة الأعوام الماضية وما سبقهما من أعوام رحل طغاة وظلمة قذفت بهما (حُمم وطوفان) الشعوب فألقتهم تحت نعلي التاريخ ولا يُذكرون إلا بمساوئهم ومهما حاولوا الإستماته من أجل البقاء إنما هو بقاء الأشباح لا الأرواح، ورحيل أبي الأحرار لا يُذكر إلا وذُكرت الحرية مقترنة باسمه ويَعبق الزمان بطيب ذكره فكان لزاماً علينا أن نقف على أعتاب ذكراه مستشعرين ما قدم وأخر في سبيل هذا الوطن وهذه الأمة ملتزمين السير على خطاه وتعلم منهجه الداعي للحرية وحب الأوطان ومناهضة الطغيان أياً كان طالعه وشكله ولونه ومؤمنين أنه حيٌ يرزق عند ربه وأننا أحياء لكن حياتنا لا تستغني عن الرزق الذي وَرّثه لنا أبي الأحرار.
عبد الخالق عطشان
أبو الأحرار منهاج وثورة 1180