مما لا شك فيه أن للجغرافيا دوراً كبيراً تلعبه في صياغة ثقافة الإنسان. هذه الثقافة التي تختلف من إقليم إلى أخر ودولة إلى أخرى. تبدو واضحة جلية أمامنا عند تنقلنا بين مجتمعات مختلفة الثقافة مختلفة في جغرافيا الإقليم الذي تعيش فيه. نجد مثلاً أن بعض المجتمعات تستبشر بالمطر خيراً حتى في غير موسمه. أحياناً نجدها تسأل عن المطر عند شحة الرزق أو تأخره وإن كان الموضوع لا علاقة له بالمطر. ونجد البعض يشعر براحة وطمأنينة لمجرد سقوط المطر وإن كان لا يملك في جيبه ريال واحداً. إن المطر في منعه أو سقوطه يمثل عاملاً جغرافياً قوى في تأثيره سواء على الأغنياء أو الفقراء في المجتمعات التي تحتاج أقاليمها للمطر. وهو عامل لا يتحكم فقط بمستوى الخير من حيث كميته وجودته ولكن درجة القرب إلى الله والشعور برحمته ودرجة التراحم بين الناس. إن المطر عامل جغرافي أساسي في صياغة ثقافة المجتمعات في هذه الأقاليم. وهو في نفس الوقت عامل تواصل بين العبد وربه من خلاله يشعر الإنسان بأن في السماء رب عادل كريم غفار. وهو في الأخير عنصر جغرافي جوهري يتحدى به الله مخلوقاته ليثبت لهم أن رحمته وسعت كل شيء. وهو في صفته الأخيرة هذه لا يقتصر على هذه الأقاليم بل على سكان الأرض فهو عنصر قوة وتحدي ودلالة وجود الله للإنسان في الكون كما أنه جنداً من جنوده يسبح بحمدة ويحقق رحمته وعدله في الأرض بإذنه تعالى.
قال تعالى : (ويسبح الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)
د. ضياء العبسي
الجغرافيا في ثقافة الإنسان 1398