كانت تجري خصخصة مؤسسات الدولة في تسعينيات القرن الماضي وعلى قدم وساق وبسرعة متناهية ويتم تسليمها لتجار هم أكثر لصوصية ممن باع لهم الحق العام ومقابل دراهم معدودة ويتم على إثرها تسريح مئات بل ألاف العمال من المصانع والشركات والمؤسسات المملوكة للدولة وكانت الصحافة تكتب والنقاشات تحتدم في البرلمان وخارج البرلمان الجميع كانوا معترضين على تلك السياسات الرعناء والهوجاء والتي أدت إلى هذا الواقع الاقتصادي المزرى ولم يتراجع الساسة عن قراراتهم.
وها هي تبعات تلك القرارات الارتجالية غير المدروسة نجني ثمارها اليوم والذين ألقت بهم تلك الإجراءات الخاطئة في العراء في الشوارع يتظاهرون في عدد من المحافظات وعلى وجه الخصوص أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وبعض المحافظات الشمالية، فرغتهم الحكومات الفاشلة ليتحولوا إلى عالة ومشكلة مزمنة لن تحل إلا بمشاريع استراتيجية عملاقة تمتص تلك العمالة الفائضة وتقود عملية التحول في البلاد لكن السؤال الأهم من يا ترى من رؤساء الحكومات المتعاقبة في اليمن ومن العام 1990 م وحتى اليوم تسلم رئاسة الحكومة ولديه مشاريع حقيقية أو مشروع لنهضة وطن؟ الإجابة تعرفونها.
وبدون مقدمات لا أحد باستثناء المرحوم- فرج بن غانم والذي رفض فقط صرف أي مبالغ مالية خارج إطار الموازنة العامة للدولة وأجبر على ترك رئاسة الحكومة بعد أن وجهت أوامر من صالح لنائب رئيس مجلس الوزراء بالتوقيع على شيكات لشؤن القبائل تبلغ 30 مليون ريال إن لم تخن الذاكرة, بالمقابل كنا نقول- وفي أول أيام تسلم حكومة الثورة- أن من أهم وأبرز مهمات الحكومة القادمة هي محاكمة قطاع الطرق ولصوص المال العام ومن يعتدون على أنابيب النفط والغاز ومن يعتدون على أبراج الكهرباء ومن استباحوا الدماء والأعراض ليرتدع الأخر المغامر أو المقامر المتربص والمرتهن, لكن لا حياة لمن تنادي! واستمر الوضع كما كان بل صار أكثر سوءً وخراباً حتى وصلت الأمور إلى حالة يرثى لها.
والغريب في الأمر أن ما جرى وما حصل, وما يجري لم يحرك في هؤلاء الأقزام والتنابلة ساكناً وكأن كل شيء في اليمن على ما يرام, كل يوم تتكشف عورة القوم ويتواصل نزيف هدر المال العام حتى أصبحت الخزينة شبه فارغة وهم مستمرون في خبالهم وجهلهم يختلفون على التعينات والتقاسم والمحاصصة في بلد لم يعد يمتلك من الثروة أو الأموال ما يمكن تقاسمها أو الحديث مجرد الحديث عنها بل لقد غدت الأوضاع فوق الاحتمال وأكثر مما بمكن وصفها في تقرير صحفي أو في عبارات إنشائية هنا وهناك، يا سادة لقد سقطت ورقة التوت وانكشفت عورتكم وأمام الملاء إما أن تحزموا أمركم وتعلنوا عجزكم وفشلكم, أو فانتظروا السقوط والانهيار الذي سيكون مدوياً ومهولاً، لم تعد هناك من حكايات أو أكاذيب يمكن الاستناد عليها، استطاعت القوى المضادة أن تنحو بكم باتجاه المنحدر وقد أوصلتكم إلى حيث شاءت بل وإلى أبعد مما كانت تتوقع وتحلم أن يكون.
فهل من مخرج اليوم لانتشال الوطن من الوضع البائس؟ كنا بحاجة فقط لمحاكمة خمسة أو عشرة من مئات الأشخاص الذين استباحوا النفط والغاز والكهرباء وأرهقوا ميزانية الدولة فدمروا وخربوا ولم يحاكم منهم احد، كنا نتوقع أن تثبتوا ولو لمرة واحدة أنكم عند مستوى المسؤولية وللأسف ثبت لنا العكس.
بل ما نراه هو الإصرار على مواصلة عهد الفساد واللامبالاة وكأن الوطن مزرعة خاصة لمجوعة من الأفراد يتبادلون الأدوار كمسرحية هزيلة تعرض على شاشات وفي ساحات عامة ليس إلا، الحلول لن تأتي من الخارج ولن يكون للخارج أي دور في إصلاح وضع البلد الاقتصادي حتى لو فتح لكم اعتمادات ومنح مضاعفة لن يصلح الحال إلا بإصلاح منظومة القيم ومعاقبة المسيء ومكافئة المحسن, لن تكون البلاد بخير إلا في حال تم الحفاظ على الثروة وإعادة توزيعها على الجغرافيا وليس الأفراد، إقامة مشاريع استراتيجية حقيقية للانتقال بالوطن إلى عصر التنمية كفاكم نزقاً ولا مبالاة.
لم يعد هناك من الوقت الكثير لتشتيت الانتباه واللعب على المتناقضات,, والله من وراء القصد.
عبدالباسط الشميري
إعادة توزيع الثروة على الجغرافيا وليس الأفراد ! 1357