الأسبوع الفائت أعاد الرئيس عبدربه منصور هادي تذكير الجميع بأن العالم كله يقف الى جانب اليمن وأنه الذى سيدعم التسوية السياسية حتى النهاية .. وقبل ذلك قال مبعوث الامين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر : بان اليمن لم يكن في يوم من الايام مهماً بالنسبة للمجتمع الدولي بقدر ما هو اليوم .. وبالأمس القريب أعلنت واشنطن أنها التي تبحث في زيادة المساعدات لليمن .. وفي السياق ذاته تعهدت الدول المناحة عقب اختتام مؤتمر الحوار بمواصلة دعم اليمن ماليا واقتصادياً بما يسهم في إعادة إعماره واستعادة دولته عافيتها.
وإذا ما كان للمرء أن يأخذ الأمور بظاهر ما فيها فيقيناً سيميل الى إسقاط (نظرية المؤامرة) والاقتناع فعلاً بأن ضمير المجتمع الدولي قد استيقظ في اليمن أو أنه الذى وجد نفسه مضطراً لمثل هذا الموقف لأسباب عدة ,همها موقع اليمن الاستراتيجي وإطلالته على مضيق باب المندب الذى يشكّل المدخل الوحيد والرئيسي للبحر الأحمر من الناحية الجنوبية ناهيك عن انه الذى يشكل همزة الوصل بين الجزيرة العربية التي تحتوي على اكبر مخزون للنفط وبين جنوب آسيا ووسط أفريقيا وجنوبها, فضلاً عن موقعه غير البعيد من الصومال وهو ما ينطوي على الكثير من الرهانات الجيوسياسية الخطرة إذ أنه إذا ما تحول اليمن الى دولة فاشلة؛ فسيكون على العالم موجهة تداعيات دولتين فاشلتين متقابلتين هما الصومال واليمن وبينهما سواحل شاسعة على مساحة تصل الى 5 آلاف كيلومتر تعمها الفوضى والاضطراب وهو ما يمثل خطراً حقيقياً على الممرات المائية التي تربط التجارة الدولية بين آسيا والخليج وأفريقيا وأوروبا.
وإذا ما صدقنا أن هذه العوامل مجتمعة هي من كانت وراء تعاطف العالم بدوله الكبرى والناشئة مع اليمن رغم خلافاته وتعدد رهاناته في الكثير من الساحات من بلاد الشام سوريا ولبنان مروراً بفلسطين والعراق ومصر وتونس وليبيا وحتى افغانستان وأوكرانيا وغيرها من الساحات والمناطق التي يغوص فيها المشهد بالوان الدم والدخان والحرائق والعنف والقتل وبيارق الفرق المتناحرة .. فكيف لنا أن نصدق هذه المفارقة التي نرى فيها العالم يسعى الى مساعدة اليمن فيما اليمنيون يتسابقون في هدم معبدهم وتكسيره وتخريبه وإسقاطه في دورة تاريخية مرعبة تكتب بالدم وحروب الفوضى والانفلات والضغائن والثأرات القديمة التي اتسعت بفعل اكثر من فاعل الى درجة بدا فيها ابناء هذا البلد وكأن ليس لديهم ما يشغلهم سوى التآمر على بعضهم البعض, فقد خرج المارد "الفتنوي" من قمقمه لإشعال الفتن التي قيل إنها أشد من القتل بل هي القتل الذى يمارس بالكلمات قبل أن يتحول الى صراع مفتوح تمتلئ الشاشات والصحف بِنُذُره المشؤومة في لعبة جهنمية ينتفض لهولها حتى جسد الميت.
لقد غاب أو يكاد العقل السياسي والوطني في هذا البلد وغابت معه لغته وفطنته وفعاليته وحضاريته فيما اكتظت المنابر والفضائيات والصحف اليومية والاسبوعية والمواقع الالكترونية بالخطابات الغوغائية والسفاهات اللفظية والعبارات المتدنية والردح والتخوين الذى يظهر فيه الكل ممسكاً بخناق الكل دون أن يدري أحد من وراء اشعال هذه المعارك والفتن ومن يقف خلف هذا التصعيد والتعقيد الذى يغلي في العمق وتثور دوافعه الكامنة تحت السطح لتغدو قابلة للانفجار في اية لحظة.
لا جدال في ان لمثل هذه المعارك التي تتصاعد وتيرتها بشكل مخيف جذوراً واسباباً تبدو مختلفة لكن رابطاً دقيقاً يجمعها في الواقع وهو الرابط الذى يهدف في المقام الاول الى اذكاء نوازع العداء والضغائن والكراهية بين اليمنيين بعضهم لبعض انطلاقاً من الضمائر المتبلدة والعصبيات النائمة والخلافات والشحناء بين حزب وحزب وجماعة وجماعة وفريق حكومي وآخر ومواطن ومواطن وشافعي وزيدي وحوثي وسلفي ومؤتمري واصلاحي واشتراكي وحراكي ومحافظة ومحافظة؛ لتغيب الهوية الوطنية الجامعة وتحل محلها مجموعة كبيرة من الهويات الفرعية والتي دفعت بالكل في مواجهة الكل ليظهر علينا في المهرة وسقطرى من يرفض الانضمام لإقليم حضرموت باعتبار أن هوية حضرموت لا صلة لها بهوية المهرة وسقطرى فيما تنتشر بين الكبار والصغار على حد سواء في الشارع الجنوبي طۥرَف ونُكات تسخر من الشماليين ويكفي البحث في محرك غوغل عن كلمة (دحابشة) للحصول على نتائج تزيد عن الـ 200 ألف بند مكتوب ومرئي تنم عن سخرية النخب الجنوبية للشماليين مع ذلك فلا يمكن اعتبار هذا المسلك اختصاصاً جنوبياً صرفاً بل إن هناك في شمال البلاد كما في جنوبها نشأت تصورات سلبية عن الآخر في ظل تناسل النعرات الفئوية والقبلية والمناطقية والمذهبية ونزعات الانفصال والتطرف التي تتغذى من أحقاد الماضي والعصبيات الجاهلية.
اليس من المعيب أن ندعو العالم الى ان يقف الى جانبنا فيما نحن نرفض ان نقف الى جانب انفسنا وهو ما يدفع بنا الى مخاطبة من رمت بهما الاقدار الى الواجهة من ساسة ونخب والذين وإن كانوا قد فشلوا في التقدم بالبلاد تقدماً حاسماً يضعها في مسارات مستقرة وثابتة تتخلص فيها من الفوضى والانقسام والعنف والحروب والشقاق والخصام والتناقض والانفصام ان عليهم ان لا يجعلوا من ذلك الفشل يدفع بهم الى التمترس في دائرة السلبية وترك جبهتنا الداخلية تزداد تبعثراً وتمزقاً وشتاتاً بعد ان اختار بعضنا ان يخوض حرباً داخلية اقل ما يقال عنها انها سخيفة ومقيتة واختار البعض الاخر ان يتخذ مواقف ملتبسة او غامضة او مترددة او متواطئة او حتى متعاونة مع من يشعلون مثل هذه الحروب التي لا تبررها الكلمات و لا النوايا ولا الاعذار الواهية.
إذ ان من الحماقة ان تنشغل هذه النخب بمعارك السباق على المناصب والمكاسب فيما الارهابيون مشغولون بقتل جنودنا واشاعة الخوف والرعب في صفوفنا كما ان من المعيب حقاً ان تتفرغ هذه النخب لتصفية حساباتها مع بعضها البعض فيما اليمنيين يقتلون بعضهم بعض ويأكل بعضهم لحم بعض ويعملون على هدم اركان وطنهم حجراً حجراً بعد ان تراجع الضمير الوطني وتشرذمت القيم الوطنية في دواخله دون ادراك أو وعي انه وحين يفقد افراد شعب شعورهم بالانتماء يفقد هذا الكيان مكانته وتشتت قوته وينفض عنه ابنائه ليترنح امام ابسط الضربات قوة واخفها تأثيراً.
وبعد كل ذلك فما ينبغي ان تفهمه هذه النخب ان الوطن اليمني هو امانة في اعناقها خصوصاً وان هناك حديث شبه مؤكد عن وجود مشروع لتقسيم اليمن وبعض الدول العربية ولان التقسيم لا يمكن ان يحدث فجأة او من دون مقدمات ذات حجج سياسية ومنطقية ومقنعة فان اشعال اليمن بالصراعات والنزعات الداخلية سيشكل في الغالب المنفذ لإنجاح فكرة التقسيم حتى في ظل مراهنتنا على دعم المجتمع الدولي الذى وضعناه في موضع المنقذ رغم اننا الذين لا نجهل من ان هذا المنقذ الشجاع دائما ما يغير خياراته وفق ما تمليه مصالحه التي لا شك وانها تتغير بتغير الظروف والازمنة واذا ما وجد المجتمع الدولي أن انفلات الصراع الداخلي في اليمن بات مهمة مستعصية على اي توافق دولي فانه الذى لن يعبأ بأحد وسيمضي في سبيله ليترك لنا الفشل والتخلف والضياع والتمزق الى كيانات هشة لا تمتلك مقومات البقاء والاستدامة.
علي ناجي الرعوي
نحن من ندمر انفسنا!! 2010