بشغف- وكغيري- تابعت البرنامج الوثائقي المهني الذي أعدته قناة "bbc" " العربية عن الناطق الإعلامي باسم المؤتمر الأستاذ- عبده الجندي وابنه طبيب وجراح القلب والأوعية الدموية أبو ذر الجندي، والذي جرت أحداثه أعقاب الثورة الشبابية التي قام بها اليمنيون ضد حكم الرئيس علي عبدالله صالح، وانتهت بإزاحته من الحكم بفعل المد الثوري الذي تنامى زخمه حتى وصل كل بيت يمني ناله نصيب من الظلم والفساد والاستبداد الذي كان قد استشري واستفحل بصورة مذهلة، و كان يمارس دون أدنى مسئولية من صانعيه في حق اليمنيين وجعلهم في ذيل القافلة بين دول العالم الثالث.
البرنامج كما يعرف من شاهده قامت القناة بإعادته خميس الأسبوع الماضي حيث يحكي قصة أب دافع باستماتة عن الرئيس صالح المتهم من قبل الثوار – أحدهم ابنه أبو ذر – بأنه المسئول عن المجازر التي ارتكبت في حق الشباب، حاولت القناة ونجحت فيما سعت إليه من جمع لمَّ الشمل لأسرة قطبي رحاها، أب بتوجهه في طرف, وابن بتوجهه الإسلامي أيضا يمثل الطرف النقيض للأب، فذاك في صف الرئيس صالح وضد الثورة التي قامت لإسقاطه، وذلك مناصر لهذه الثورة التي كان فيها دينامو محرك، إلى ما يحمله من تخصص طبي مكنه من أن يعيش أحلك اللحظات لمراحل الثورة التي كانت تأخذ أبعاداً أخرى مع كل مجزرة ترتكب بحق الشباب الثائر .
طبعاً لا أريد ولا أحبذ أن يفهم من كلامي أن الحديث يدور حول شخصين أحدهما يمثل صوت الحق، والآخر يمثل عكسه لأننا بصدد الحديث عن القيمة السامية التي كان يمثلها الدكتور- أبو ذر ، وقد كان في موقع من الدفاع ونصرة المظلوم ما جعله قوياً أمام أبيه ولكن دون أن يتبادر إلى ذهن المشاهد بأنه نداً لأبيه، على العكس من ذلك حرارة اللقاء، ومشاعر البنوة والأبوة التي طفت على البرنامج وطغت عليه لم تترك مجالاً لمشاهد أن يتحامل على الجندي الأب، لكن ذلك لم يمنعه من قول ما هو مقتنع به من الحق في وجه أبيه، والحديث عن المظلومية التي تعرض لها شباب الساحات، وحجم التضحيات التي بذلوها في سبيل تحقيق أهداف ثورتهم المظفرة.
من شاهد البرنامج يدرك حجم التربية الإسلامية التي تشربها ويتمتع بها أبو ذر، من خلال أدبه وتأدبه مع أبيه الذي دار بينهما حديث طويل لم تنقصه الصراحة، إلا أنه يحمل في طياته كثير من إشارات الأدب والتأدب- كما أسلفنا- صحيح أن المقام طبيعي أن تسوده مثل هذه الروح بين أب وابنه، لكن من يدقق كثيراً في مدلولات الحوار الذي كان يدور بينهما يدرك مدى التقدير والاحترام الذي كان بادياً على محيا أبو ذر لأبيه الذي اختلف معه في قضايا جوهرية ومفصلية، بل إنهما اختلفا كما نعرف على قضية من أهم قضايا الواقع الساخن للتاريخ اليمني الحديث المعاصر.
إننا إذاً أمام نموذج مشرف لأحد أبناء الحركة الإسلامية الذين ربتهم المساجد، ونشأوا في رحابها، وتفيؤوا في أروع الظلال فيها، فشب كغيره من الشرفاء عن الطوق تتوق لمثل هذه اللحظات التي انتظرتها جموع الشعب طويلاً لتتحرر من رقة العبودية التي كانت جاثمة على صدر اليمنيين الذين تنفسوا الصعداء أو لنقل كثيراً من الصعداء على صعيد الكفاح السلمي الذي قام به اليمنيون وقدموا له أغلى التضحيات التي اضطلع بها اليمنيون وبعطاء منقطع النظير، أبو ذر كان وما زال وسيبقى لمعدنه الأصيل الذي عرف عنه صورة مشرقة من هذه الصور الرائعة التي يحق للوطن أن يتكحل بها .
تبادر إلى سمعي أن الشيخ- حمود سعيد المخلافي الرجل الذي قاد جيش الدفاع عن الثورة في تعز، عندما وصله خبراً مفاده أن عبده الجندي قد تناوله في أحد مؤتمراته الصحفية، قال بلسان المحب لهذا الطبيب "سنتحمله من أجل ابنه أبو ذر " وفي السياق ندرك مدى الحب والاحترام والتقدير الذي يكنه الناس سواء كانوا نخباً أو أناس عاديون لهذا الرجل المحترم الذي آثر أن يكون في صف المظلوم، وأن يقول الحق في زمن عزت فيه قولة الحق.
مروان المخلافي
أبو ذر الجندي..نموذج لصوت الحق! 1504