كلمات فيها محاولة لفهم أسرار النفس الإنسانية، وتلمح مواطن الجمال والكمال فيها، ونبرأ إلى الله من أن نعيّر أحداً بعيبه أو أن نشهَّر بأحد ففي المتحدث من العيوب ما يكفيه، والباعث هو طلب الكمال البشري وعليا المناقب، مع إحساسنا وإدراكنا بأن الدعاة هم من أكمل الناس خلقاً وذوقاً، سنحاول بإذن الله أن نستعرض معكم من خلال عدت حلقات الذوق في مختلف الجوانب .
معنى الذوق في اللغة : هو إدراك طعم الشيء بواسطة الرطوبة المنبثقة بالعصب المفروش على عضل اللسان، يقال: ذقت الطعام، أذقه ذوقاً، إذا عرفته بتلك الواسطة، وتعدى إلى ثان بالهمزة، فيقال: أذقت الطعام وذقت الشيء: جربته، ومن يقال: ذاق فلان البأس:إذا عرفه بنزوله بعده "
وانتقلت كلمة الذوق من موضعها الأصلي الذي قيلت فيه إلى مواضع عدة استعيرت لها، وصار الذوق يستعمل في الإحساس العام الذي تشترك فيه قوى الحس من سمع وبصر ولمس وشم، وصار الذوق تعبيراً عن الإحساس بالألم والحزن، أو الفرح والهناء، أو الجوع والخوف، وما إلى ذلك..
أهمية الأدب و الذوق: قال القرافي في كتابه (الفروق) " واعلم أن قليل الأدب، خير من كثير من العمل، ولذلك قال رُويم – العالم الصالح –لابنه : يا بني اجعل عملك ملحاً، وأدبك دقيقاً- أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبته في الكثرة نسبة الدقيق إلى الملح في العجين- "
أسباب ضعف الذوق :
(أ) غياب التربية الصحيحة عن كثير من أبناء الإسلام، بسبب غياب دور الأب والأم، ووجود المجتمع المفكك، ربما كان الفرد في السابق يستحيي من كثير من النقائص، وقد ضمر هذا المعنى الآن وإنكار عامة الناس سابقاً أقوى منه في هذه الأيام.
(ب) غياب القدوة الحسنة، فسمت العالم وهديه له أثر عظيم على الأتباع " قال الذهبي " كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف أو يزيدون، نحو خمس مئة يكتبون، والباقون يتعلّمون منه حسن الأدب و السمت " .
(ج)ضعف المؤسسات التعليمية والثقافية وسلبيتها: أهلية كانت هذه المؤسسات أو رسمية، كالمدارس، ووسائل الإعلام، بل تقدم وسائل الإعلام أحياناً، رسائل ضارة بالدين والخلق.
(د)ضعف التناصح بهذا الأمر، وضعف الاهتمام به رغم أهميته، بل ربما عد الكلام في مثل هذا الأمر ضرب من الترف، أو الليونة التي لا يسمح بها وقت الدعاة.
تهذيب الطبائع : يزعم البعض أن أخلاق الإنسان فطرية فقط . وهذا ادعاء يرده الواقع من وجوه منها:
(أ) أن الأخلاق لو كانت لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى ولم يكن للتهذيب والتربية والأمر بهما فائدة.
(ب) ولو لم يكن للتهذيب والتربية أثر لما كان للحدود و الزواجر الشرعية عن اقتراف الآثام معنى .
(ج) كما أن الواقع المشاهد يدل على فائدة هذا التهذيب وإمكانه في الحيوان فضلاً عن الإنسان فالصيد الوحشي يستأنس ويعلم الكلب عادات، وتدرب الفرس.
الأمر بالخلق – النهي عن سوء الخلق – وتميز الشخصية المسلمة بذلك :
انظر لكمال الأدب والذوق في قول أنس رضي الله عنه " خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعته لمَ صنعته ؟ ولا لشيء تركته لمَ تركته ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه من أحسن الناس خلقاً، ولا مسست خزاً ولا حريراً، ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً قط، ولا عطراً كان أطيب من عرق النبي صلى الله عليه وسلم" تأمل يا رعاك الله هذه المدة الطويلة- عشر سنين - استمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم على ذات الخلق الرفيع، رغم أنه لا يخشى من خادمه شيئاً، ولا يتوقع عتبه عليه، لكنها أخلاق النبوة، ولعلك تقارن هذا بما ترى عليه حال المسلمين اليوم في معاملة خدمهم، بل في معاملة من يحتك بهم-من إخوانهم - ممن ليسوا خدماً، بل هم زملاء وجيران، والله المستعان.
قاسم الحميدي
ذوقيات الدعاة..1 1720