;
عبدالباري عطوان
عبدالباري عطوان

إعفاء بندر من رئاسته للمخابرات السعودية: اعتراف بفشل المهمة في سوريا وأول ثمار المراجعة السياسية 1671

2014-04-19 14:51:11


من يقرأ كتاب “The prince ” أو “الأمير” الذي يتناول سيرة حياة الأمير- بندر بن سلطان بن عبد العزيز وكاتبه وليم سيمبسون صديقه, وزميل دراسته في كلية سانت هيرست للعلوم العسكرية في بريطانيا يستطيع أن يكّون صورة واضحة وجلية عن هذا الرجل الذي يلقب برجل المهمات الصعبة, ونفسيته وعلاقاته المعقدة والغريبة، مثلما يستطيع أن يفهم أسباب قرار العاهل السعودي الملك- عبد الله بن عبد العزيز بإقالته من منصبه كرئيس لجهاز الاستخبارات السعودي “بناء على طلبه”.

في هذا الكتاب لم يخجل الأمير بندر من الاعتراف بأن أمه كانت جارية أفريقية الأصل واللون، ولم يتورع عن الاعتراف بأنه كان وراء محاولة اغتيال السيد- محمد حسين فضل الله المرجع الشيعي اللبناني المعروف, كرد انتقامي على نسف مقر قوات المارينز في لبنان عام 1982م ومقتل أكثر من 350 شخصاً في هجوم استشهادي.

فالأمير بندر كان كتلة من المتناقضات، فبعد أن عمل طياراً في سلاح الجو السعودي لأكثر من 17 عاماً انتقل إلى واشنطن بعدها بفترة كسفير لبلاده لمدة 22 عاما، ولعب دوراً كبيراً في تأمين صفقات السلاح الأمريكية والبريطانية لبلاده، وحصل على عمولات ضخمة، واستطاع أن ينقذ العلاقات السعودية الأمريكية من الانهيار، وربما ينقذ عائلته الحاكمة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر, التي شارك فيها 17 سعودياً من أصل 19 شخصاً نفذوا الهجمات، مثلما استخدم علاقاته لحث أمريكا على إرسال 50 ألف جندي إلى السعودية لإخراج قوات- صدام حسين من الكويت، وكان أول من علم بساعة الصفر للغزو الأمريكي للعراق.

أهم ما في الكتاب من تناقضات هو مقدمته التي كتبها كل من نيلسون مانديلا- أبرز زعيم تحرري في العصر الحديث- والسيدة- مارغريت تاتشر, أكثر امرأة يمينية بعقلية استعمارية متطرفة في تاريخ بريطانيا، وربما الغرب أيضاً، ومن المفارقة أن الأمير بندر كان الشخص الوحيد من خارج الأسرة، الذي دعي لحضور زفاف مانديلا الأخير عام 1998م الذي عقده في عيد ميلاده الثمانين، والمفارقة الأكبر صداقته الحميمة مع عائلتي بوش والقذافي معاً!.

***

لماذا نسرد كل هذه المقدمة ونحن لا نؤبنه، وإنما نريد الحديث عن قرار عزله من منصبه كرئيس للاستخبارات؟ الإجابة ببساطة لشرح أسباب هذا العزل، أو بعضها، من خلال تركيز الأضواء على طموحاته الكبيرة والتي تتجاوز وظائفه، وطبيعة شخصيته المتناقضة المتسمة بالمغامرة والثقة الزائدة عن النفس.

جهاز المخابرات السعودي شكل أكبر عقدة، وأعقد مشكلة بالنسبة إلى العاهل السعودي الملك- عبدالله بن عبد العزيز منذ أن عزل الأمير- تركي الفيصل الذي تولى رئاسته لمدة 24 عاماً متواصلة، وحوله إلى إمبراطورتيه الخاصة، وقيل أن سبب العزل يعود إلى عدم تفاهمه- أي الأمير تركي- مع الملك عندما كان ولياً للعهد، وهذا ما يفسر اختيار الملك عبدالله لشقيقه الأمير نواف بن عبد العزيز المتقدم في السن ومحط ثقته كخليفة للأمير تركي الفيصل، وقد عمر في المنصب ست سنوات أقيل بعدها “لأسباب مرضية” ليعين في المنصب بعده الأمير مقرن بن عبد العزيز لست سنوات، ليخلفه الأمير بندر بن سلطان في تعيين مفاجئ أحدث خلافاً في الأسرة الحاكمة بين مؤيد ومعارض.

هناك سببان معلنان لإبعاده من هذا المنصب الحساس، الأول: هو مرضه حيث أجريت له عملية جراحية في الكتف في واشنطن انتقل بعدها إلى قصره في المغرب لقضاء فترة نقاهة.

 والثاني: هو سوء إدارته لملف سوريا، ومساعدته وتمويله لجماعات إسلامية متطرفة وتسليحها للتسريع بإطاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولكنه لم ينجح في هذه المهمة, والأخطر من ذلك أنه رجح كفة هذه الجماعات على حساب المعارضة السورية المعتدلة في ميادين المعارك حسب التقديرات الأمريكية.

نحن نرجح السبب الثاني، ونستبعد عامل المرض، لأنه لو كان غير قادر على أداء مهامه بسبب المرض لجرت إقالته من مجلس الأمن الوطني الذي يحتل منصب أمينه العام، وعضوية هيئة البيعة.

الأمير- بندر أبعد من دوائر صنع القرار لسنوات بعد خروجه من منصبه كسفير لبلاده في واشنطن، وكان يقضي معظم وقته على ظهر طائراته الخاصة الأربع متنقلاً بين القرية التي يملكها في منطقة اوكسفورد البريطانية، وقصوره في مراكش وواشنطن وفرنسا وغيرها ما لا نعرف، وأعيد لاستلام جهاز المخابرات لهدفين أساسيين، الأول إطاحة نظام الرئيس الأسد، والثاني التنسيق مع أصدقائه الأمريكان لضرب إيران عسكرياً على غرار ما حدث في العراق.

اتفاقان أطاحا بالأمير- بندر بن سلطان من منصبه وأفقداه صوابه أكثر من غيره في الأسرة الحاكمة السعودية، الأول المتعلق بالأسلحة الكيماوية السورية الذي منع توجيه ضربة عسكرية أمريكية لأهداف كبيرة ومهمة عسكرية واقتصادية في سوريا قيل أن عددها بلغ 165 هدفاً.

 والثاني الاتفاق النووي الإيراني مع دول (6+1) الذي أدى إلى رفع جزئي للحصار الاقتصادي عن إيران، وإلغاء أو تأجيل أي ضربة عسكرية لتدمير الطموحات النووية الإيرانية.

الأمير- بندر بن سلطان الذي استشاط غضباً من إدارة اوباما الديمقراطية حاول أن يفتح جسوراً مع البديل الروسي والتقى الرئيس فلاديمير بوتين حوالي أربع مرات، ومكث ثلاثة أسابيع في موسكو أثناء زيارته الأخيرة قبل ستة أشهر، التقى خلالها أهم القيادات الروسية السياسية والأمنية، الأمر الذي زاد من غضب إدارة اوباما التي لم ترتح له، بل أن كل الإدارات الديمقراطية لم ترتح كثيراً له، ولا للعلاقات الأمريكية الخاصة مع السعودية.

***

السؤال الأصعب الذي لا يمكن تجاوزه هو عما إذا كان الأمير- بندر قد خرج من دائرة القرار بصورة نهائية أم أنه سيعود لاحقاً؟ ثم من سيخلفه في هذه المنصب الحساس بصورة دائمة.

إذا جئنا للشق الأول من السؤال فإنه من الصعب شطب الرجل كلياً، خاصة أنه خرج من الصورة أكثر من مرة وعاد أكثر قوة على ما كان عليه في السابق، كثيرون اعتقدوا أن مستقبل الأمير مقرن بن عبد العزيز السياسي وفي الحكم أصبح في حكم المنتهي بعد عزله من رئاسة جهاز المخابرات وعدم تعيينه في أي منصب مهم، وها هو يعود بعد عامين في الظل كولي لولي العهد السعودي، كخطوة أولى للوصول إلى كرسي العرش.

أما إذا جئنا للشق الثاني من السؤال أي من سيخلفه في المنصب بصورة دائمة، فهذا سيكون موضع تكهنات فالفريق أول ركن- يوسف بن علي الإدريسي الذي جرى تكليفه بمرسوم ملكي بعمل رئيس المخابرات لن يعمر طويلاً في هذا المنصب لأنه ليس أميراً، وهذا المنصب الحساس، مثل مناصب أخرى، محصور على أمراء الأسرة الحاكمة، والمقربين جداً من دائرة سلطة، اتخاذ القرار فقط.

أسماء كثيرة يتم طرحها في بورصة الترشيحات من بينها الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي أعفاه الملك من وزارة الداخلية، وتعيين الأمير- محمد بن نايف نائبه مكانه، وهناك من يقول أن الأمير- سلمان بن سلطان شقيق الأمير- بندر ونائب وزير الدفاع وشريكه في حمل مسؤولية الملف السوري، صاحب حظوظ كبيرة في خلافة شقيقه كرئيس للمخابرات، ورأي آخر يتحدث عن أسماء أخرى مثل سعود بن فهد بن عبد العزيز الذي عمل نائباً لرئيس المخابرات أو شقيقه حيث أن أبناء الملك فهد لا يحتلون أي منصب مهم منذ وفاة والدهم، وقائمة الترشيحات طويلة على أي حال والمفاجآت واردة.

الأمير- بندر بن سلطان لم يكن شخصية محبوبة بسبب صداميته وجرأته ودمويته، ولكن هذا حال معظم رؤساء المخابرات في الدول العربية، ومن غير المتوقع أن تذرف دموع كثيرة أو أي دموع على الإطلاق حزناً على رحيله خاصة في سورية وإيران ولبنان والعراق وقطر (وهذه قصة أخرى) وربما في المملكة نفسها، وسيظل في دائرة الجدل حتى بعد قرار انسحابه واعتكافه المتوقع في قصره في مراكش، ولن نفاجأ إذا ما عاد مجدداً.

 رأي العام

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد