نعم, رحم الله أياماً من عمر التاريخ الاجتماعي كان للناس فيها قيم ثابتة هي من تسير عليها وتيرة حياتهم, أصبح نصف المجتمع اليوم مبرمجاً الكترونياً لدرجة أن تتدخل التكنولوجيا في التحكم بمشاعر الناس مهما كان نوعها.
فبينما كان الرجل يطرق باب الزواج عبر الأهل وبشكل رسمي وراقي وغاية في الأدب والذوق والاحترام, أصبح اليوم معتمداً على رسالة (SMS) فاترة وبلهاء, قد يحدث التفاعل معها بشكل إيجابي من قبل المرأة ظناً منها أن الرجل جاء فعلاً في طلب يدها للزواج, لكن وبكل أسف يتضح الأمر فيما بعد أنه مجرد اختبار أو نزوة أو دعوة للرذيلة.
تدخلت التكنولوجيا في حياة الناس لدرجة أن يتعارفوا ويتآلفوا ويختلفوا عبر هذه المواقع والوسائل ربما حتى دون أن يتعاشروا أو يعرفوا وجوه بعضهم البعض, لا زلت أحن إلى تلك الأيام التي مضت دون أن يكون هناك إلا أوراقنا وأقلامنا ووفاؤنا مع أهل الوفاء..
أتساءل دائماً كيف كان يستطيع الناس الوفاء بوعودهم وعهودهم؟ ماذا وعد أحدهم صاحبه وعداً وحدث ما يحول بينه وبين الوفاء بوعده, كيف يبلغ صاحبه؟ كيف يعتذر إليه؟! لم يكن هناك أي طريقة إلا الوفاء بالوعد, فالاعتذار كان صعباً بصعوبة الانسجام أمام العدو.
لعل للشهامة والمروءة والنبل قيم ضاعت مع حضور هذه الوسائل إلى مائدة التعارف الاجتماعي التي تحدث عنها القرآن الكريم حين قال تعالى فيه (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) صدق الله العظيم, فمن الفطرة أن تحدث المعرفة لكن من غير الفطرة أن تكون بهذه الآلية التي هي عليها اليوم, لأن الأسهل من (أي المعرفة) يجب أن يكون الخير والاستمرار وعموم الفائدة, بينما ما يحدث اليوم لا ينطبق عليه مثل هذه الأهداف.
أين هم أولئك الرجال الحريصون على نسائهم ونساء مجتمعهم؟!! أين هم أولئك الشباب الذين لا عمل لهم إلا طلب الرزق والعبادة وبر الوالدين؟!.. يا جماعة هل تؤمنون مثلي بحجم التفكك الذي صنعته التكنولوجيا؟!
حتى وإن اجتمع الناس في يومنا هذا فإنهم يجتمعون على ما يفرقهم وليس على ما يجمع الشمل ويحقق الفائدة, ويكاد ينطبق عليهم قول الله تعالى:
(تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى) بل حتى عقولهم شتى, فأين هو الوصل وأين هي الصلة حين يكون مادة التداول شريطاً راقصاً وفيديو ساخن, أو نكات خليعة؟! بل إن 50% من المواد المتداولة الكترونياً لا أساس لها من الصحة ولها مقاصد سياسية وثقافية مختلفة, بل قد تكون مدرج مادة شائعات استعراضية يراد بها إحداث الفوضى وقياس درجات التفاعل الاجتماعي من مختلف الجوانب والاتجاهات
لقد أصبحت قلوب الناس قاسية بقساوة الحديد والبلاتين التي تصنع منها هذه الأجهزة, وأفكارهم ومشاعرهم هشة بهشاشة المواد التي تلتهم ساعاتهم الطويلة وهم على أبواب عالم افتراضي أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه ضرب من الوهم والجنون.
ألطاف الأهدل
الله يرحم أيام زمان! 1411