إن أقبح أشكال الإرهاب هو الإرهاب الفكري الذي يعتبر البذرة الشيطانية لتنامي الإرهاب بأشكاله المختلفة, هو من يخلق البيئة المناسبة للإرهاب النفسي والجسدي. والإرهاب الفكري هو نتيجة ثقافة يكتسبها الإنسان من مجتمعه منذ مولده عن طريق الخبرة الشخصية وبما أن كل مجتمع إنساني يتميز بثقافة معينة محددة بزمان ومكان معينين, فان الإنسان يكتسب ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه منذ الصغر, ويطلق على مجموع النظم الثقافية التي تتراكم من جيل إلى جيل اصطلاح بالتراث الثقافي وتختلف المجتمعات الإنسانية في تراثها.
لقد أثبت الباحثون في مجال السلوك الإنساني أن الإنسان له خاصية فريدة ومتميزة أينما وجد, انه يمتلك ثقافة أيا كانت أدواته ومعداته ومهما اختلفت طرقه وأساليبه في وأيا كان نظامه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي او نسق معتقداته.. وهذه الخاصية تقتصر على الإنسان وحده, يقول جاري تونهيل في كتابه الثقافة البيولوجي" بان الإنسان الحيوان الوحيد الذي يمتلك ثقافة أو سلوكاً ثقافيا".
وفي تاريخ الجنس البشري، هناك صراع دائم بين معسكري المعرفة والتنوير، من جهة، والجهل المقدس المتمثل في رفض النقد والتفنيد لمنظومة الدين أو فلسفة ومبادئ مجتمع معين وتقديس نمط ثقافي ومعرفي أوحد ويعكس ثقافته وموروثة واعتبارها المثل الأفضل محرم تجاوزها أو تفنيدها أو تطويرها لتواكب العصر.
إن الأفكار رغم اختلافها تُثرينا وتزيد من أفق مداركنا وتطوّر عمق تفكيرنا وتجعلنا نعيد التفكير فعلاً فيما نؤمن به وندافع عنه لنصبح متأكدين حقاً به بكل يقين وإيمان وجزم أو قد تجعلنا نأخذ منحى آخر قد تكون صحيحة، لكننا بسبب "سيطرة الفكر الأوحد نُهملها ونكرهها، بل قد نكفر والبعض يرفض اختلاف الأفكار ويمارس الجهل المقدس تحت مبدأ أن لم تكن معي فأنت ضدي لا يؤمن باختلاف الرأي الذي لا يفسد للود قضية هو يمارس الإرهاب الفكري الذي من خلاله تصنع أدوات الإرهاب بكل أشكاله.
نحن اليوم نحارب الإرهاب عسكريا وندك أوكاره التي تنامت على مدى فترة من الزمن تكونت كأفكار وتغذت جيدا في ضل غياب التنوير والثقافة الإنسانية المتعددة التي من خلالها يجد الجيل اختيار الصحيح من غيره لكن كان أمامه النموذج الأوحد والموجود أي أن البيئة كانت صالحة لتنامي الإرهاب وتشعبه بل صار ثقافة والبعض اعتبره مقدس طبعا هي ليست موروث ثقافي بل ثقافة دخيلة استوردت من الدول المجاورة الذي كان بذرته الفكر الوهابي.
لهذا توجب ان يرافق الحرب العسكرية المسلحة على الإرهاب حرب ثقافية وفكرية "لينهزم عسكريا وفكريا" لاستئصال البيئة الإرهابية التي تكونت في ضل الغياب المتعمد للثقافة المعاصرة ثقافة التنوير والمقارنة بين ما هو صحيح وحق من غيرة فلو عرف الطفل في المدرسة أن الإنسان الحديث هاجر من قارة أفريقيا لباقي قارات العالم وتعددت الثقافات وامتزجت ببعضها وأخذت الأفضل من الثقافات مكونة ثقافة إنسانية نبيلة هي الأصلح التي تجعل الناس يعيشون ويتعايشون بسلام وأمان وتوافق واتفاق وأن الصحابة على سبيل المثال ليسوا نموذجاً واحداً، لأدرك أن الثقافة تتطلب ألا نخفي الحقائق التاريخية على الطلاب والمجتمع، وإن كانت صادمة ومخالفة لما نريد أن نصدقه، وانعكاس لما هو نحن عليه اليوم، وقد تعودنا عليها كحقائق لا تقبل النقاش في معركة وصراع الانتصار على جهلنا المقدس ونبذ العنصرية العرقية والمذهبية على سبيل المثال لا الحصر.
هذه الحرب تتطلب ثورة تربوية تعليمية وثقافية نبدأها من المنهج الدراسي وفق سياسة تعليمية موحدة وهدف تعليمي وطني عام هو بناء الشخصية اليمنية القادرة على النهوض بالوطن ومتعددة القدرات والمهارات والأفكار الشخصية المتحررة من قيود التخلف والجهل والمنطلقة في فضاء العصر الجديد المتنور الشخصية الخالية من العقد والأمراض النفسية التي خلفها لنا الإرهاب الفكري والعقائدي.
أي يجب على الدولة أن تكون هي المسئول الأوحد والمشرف المباشر على تربية الجيل وجود أكثر من مؤسسه تعليمية يخلق تناقض قاتل وسط الجيل ويسمح لتشويش أفكار الشباب وتكوين جماعات متطرفة للفكر والعقيدة والمذهب هنا تتكون خلايا الإرهاب متى تتحمل الدولة مسئوليتها الأخلاقية والثقافية في تربية الجيل وصياغة فكرة التنويري السليم.
تنمية الثقافة الإنسانية لدى الشخصية اليمنية بالمسرح والفن والسينما والتلفزيون والرياضة والأندية الثقافية والفكرية شعر قصة بحوث علمية الثقافة التي تنمي المشاعر النبيلة والأحاسيس الجياشة للإنسان كانسان لا كوحش بشري كل هذا يكاد يكون غائب وان وجد لا يلبي متطلبات المرحلة بل يفتقد للدعم المادي والمعنوي وهناء يأتي دور الإعلام الذي يجب ان يلعب دورا أساسيا في خلق ثقافة إنسانية سائدة وتسوية الساحة السياسية والثقافية السليمة الخالية من الصراعات المدمرة أقولها بصراحة نحن دعاة حرية وهي مسئولية وطنية وعندما تترك دون قيود أخلاقية تتحول هذه الحرية إلى مشكلة اجتماعية خطيرة تضر بالوطن ومصالحة خاصة ممن لا مسئولية وطنية وأخلاقية لديهم وخاصة الإعلام الذي يعتبر اليوم أداة من أدوات الماضي لإعاقة الحاضر والولوج للمستقبل.
الإعلام اليوم هو من يغذي بؤر العنف وثقافة الكراهية والطائفية والمذهبية باسم الحرية ويضر بالمجتمع والوطن والأمة البعض إلى هذه اللحظة وهو مصر إصراراً عنيد على ثقافة الكراهية بين الشمال والجنوب وداخل الشمال وداخل الجنوب ويخلق صراعات ويغذيها ويحلل المواقف الوطنية بنواياه الخبيثة ليرسل رسائل تدمر الوحدة الوطنية والشعبية لبناء الوطن ومواجهة التحديات والحرب على الإرهاب مثالا وهي نواياه الحقيقية التي يكشفها إعلامهم.
أحمد ناصر حميدان
الثقافة الإنسانية لدحر ثقافة الإرهاب والكراهية 1700