هذه الأيام أكثر الأيام عصيبةً على عدن وأهلها, بعضهم فقد أعصابه وانهارت قواه بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر وفي مساء أمس مر من أمامي جاري العزيز أبو رامي يُحدث نفسه فخاطبته قائلاً" أبو رامي سلام يا رجل خليها على الله رد السلام أهلا جاري العزيز الكهرباء جابت لنا الضيق وزادت من مآسينا وأمراضنا, فقلت له سلامات ابو رامي ربنا يعطيك الصحة والعافية ولأن الكهرباء طافية حببت أن أحاوره لساعات الإطفاء التي لم تعد محددة بل تمتد إلى أكثر من ثلاث ساعات وفي عدن تعتبر جحيم لا يطاق نقضي معا هذا الجحيم في جزء من ذكريات هذا الرجل الكهل الذي يعتبر حزمة من الخبرات والتاريخ لأنه جزء من عدن وعدن جزء منه فبادرته اسمع أبو رامي أنت عشت ثمانين عاماً في عدن وسمعت من أبوك وجدك تاريخاً عن عدن لا يقل عن سبعين عاماً يعني لديك ذخيرة معرفية عن عدن لمائه خمسين عاماً كيف كانت عدن قبل ان تعرف هذا التطور وتعتمد الناس اعتماداً كبيراً على الكهرباء رد بقوله" كهرباء أي كهرباء يا بني نحن في المعلا كنا ساكنين على سفح جبل شمسان لا كهرباء ولا يحزنون كان معنا الجاز واللمبة والفانوس وكان الحاج نعمان الله يرحمه يورد الجاز فوق البوزة الذي يجرها جمل إلى دكان الشحاري في المعلا وكانت نساؤنا كل يوم الساعة الخامسة عصر تستعد في تنظيف زجاج الفانوس بالرماد من بقايا نار المجمرة وترسل الأولاد لدكان الشحاري لجلب الجاز أتذكر أمي حينها وهي تقول الله يقصفك جبت الجاز والذبالة حق الفانوس من عند الشحاري. يا سلام يا أخي ذكرتني بالأيام الجميلة كانت الدنيا بسيطة وكنا مرتاحين مبحبحين لا كان موجود سميع ولا خليل ولا صالح والكهرباء مثل قلتها ما حد عاشقها مثل اليوم.. قلت له لكن صعب أن تعود تلك الأيام لان الناس أصبحت مرتبطة بالكهرباء في كل أعمالها وحياتها لا تطيق انطفائها للحظة, رد بقوله يا أخي كان زمان المدينة منظمة غير مزدحمة المساكن تبنى على أسس بحيث يسمح للرياح التغلغل في وسط الأحياء السكنية ويتحصل كل مسكن على نسمة هواء خفيفة ترد له الروح والمتنفسات متاحة وكذلك الجدران مطلية بالنورة بسماكه تمنع تسرب حرارة الحجارة إلى داخل المنزل, أما اليوم فحدث ولا حرج البناء عشوائي وصارت المدينة كُتلاً خراسانية بجانب بعض تمتص حرارة النهار وتشعها بالليل كما أن التشجير مهم يساعد على تلطيف الهواء.. عدن فقدت كل أشجارها المعمرة والتي كانت معالم في عدن والحدائق المشهورة التي كنا نسميها البجيشة بالمعلا والمنصورة والشيخ وكريتر ". وأضفت قائلا: اليوم الجميع يعتمد على الكهرباء جميع الأجهزة المنزلية وحتى المذاكرة والبحث العلمي يعتمد على النت والاتصالات. ونحن منسجمون في حديثنا قام جارنا حميد من نومه وشغل الماطور واذا بنا لا نسمع بعض وأبو رامي بدأ يسعل متأثراً بدخان هذا الماطور وقال لعنة الله على هذه المواطير أضرارها أكثر من فوائدها وتحركنا بعيداً حتى استعاد أبو رامي نفسه وقال استغفر الله كاد ماطور حميد أن يقتلني وافترقنا وذهبت للبحث عن تاريخ الكهرباء في عدن و وجدته تاريخاً عريقاً, حيث كانت البدايات الأولى لدخول الكهرباء في الجزيرة و اليمن كانت في مدينة عدن في العام 1926 لتغطية احتياجات القاعدة العسكرية للمستعمر البريطاني آنذاك, حيث أنشأت محطة بخارية طاقتها 3 ميجاوات ، ثم حدث بعض التوسع لتغطية احتياجات مدينة عدن من خلال محطة حجيف البخارية التي كان يطلق عليها" البارهوص" وبعض المحطات الأخرى, كما عرفت محافظات" حضرموت ولحج وأبين" الكهرباء من خلال مولدات صغيرة في بيوت السلاطين وبعض الميسورين, لكن لم تكن الكهرباء في متناول الجميع وبالذات المساكن الشعبية التي على سفوح الجبال والتلال لم تصل لها الكهرباء سوى بعد الثورة المجيدة أكتوبر وتطورت عدن بعد الثورة في مشاريع استراتيجية كبيرة للكهرباء كمشروع الكهرو حرارية ومحطة خور مكسر والمنصورة وكان الجنوب اليمني تقريبا يعيش اكتفاء واستقرار بالكهرباء لكن بعد الوحدة وربط عدن بالشبكة الوطنية تأثرت عدن كثيراً. اليوم عدن أكثر المدن معاناة من الانطفاء للتيار الكهربائي .
كل ما أعلنت الجهات المسئولة عن تدشين مشروع تحسين كهرباء عدن تكون النتائج معكوسة تزداد المعاناة والانطفاء وكأن هناك يداً تتعمد ذلك لا تريد لعدن خيراً. نحن في موسم امتحانات لكل المراحل التعليمية, كيف بالله سيكون حال أولادنا و وضع المدينة بائسة بدون كهرباء, أين الخيرون في عدن, أين من استفادوا وتنعموا بعدن وخيراتها؟ لا يقدمون شيئاً لعدن هذه المدينة التي احتضنت الجميع دون استثناء. واليوم تعاني عدن ولم يمد البعض يده للمساعدة لها لو ان هناك إحصائيات دقيقة للموتى الذين قتلتهم الكهرباء لاعتبرناها وباء علينا نتيجة الضحايا في المستشفيات التي غير مجهزة بمولدات خاصة وضحايا في المساكن بسبب الحر وضحايا مما تبثه المواطير من سموم وضحايا حزن وألم على حال عدن وتدهورها .
لماذا لا تتعاملون مع عدن بصورة استثنائية لاستثنائية حرارتها ومناخها؟. اجعلوها اذاً تكتفي ذاتياً بكهربائها بفصلها من الشبكة الوطنية لأننا لم نعد نطيق تحمل مزيد من المعاناة من تدهور الخدمات الصحية والكهرباء والماء قريبا سينعدم عن المدينة اذا استمر العبث بحالها التي لم تعد فيها حدائق ولا متنفسات وزاد البناء العشوائي والسلطة في نوم بالعسل ولكِ الله يا عدن وأهلكِ الطيبين..
أحمد ناصر حميدان
آه يا عدن ..سباقة بالكهرباء واليوم تفتقدينها 1680