;
د. عادل عامر
د. عادل عامر

مفهوم القضاء المستعجل 2028

2014-05-24 10:39:57


للضرورات العملية ولمخافة فوات الحقوق ولحماية مصالح الخصوم.. ظهرت الحاجة للقضاء المستعجل فلا يكاد يخلو قانون المرافعات إلا ببيان حالات القضاء المستعجل وشروطه وتعريفه أو بمعنى آخر تكييفه القانوني. ونظام المرافعات الشرعية السعودي كغيره من قوانين المرافعات اشتملت أحكامه على القضاء المستعجل.. إلا أنني قبل الحديث عن هذه الأحكام سأقوم بعرض تعريف القضاء المستعجل في الفقه القانوني:

تعريف القضاء المستعجل:-

«يعتبر نظام القضاء المستعجل من الأنظمة القضائية الأساسية التي وقع بها الاهتمام من طرف المشرع والقضاء والفقه على حد سواء، فهو موضوع من المواضيع الهامة التي اعتنت بها قوانين الإجراءات لمختلف الدول، ومرتع خصب لرجال الفقه فتقدمت فيه أقلامهم بغزارة وسخاء، وكان موضوع مساجلات حادة أمام منصات القضاء، فدارت حوله مرافعات المحامين، وتناولته أحكام القضاة بالتحليل المستفيض، فكان محط اختلاف شديد من هذا البلد إلى ذاك، فهو لا يقل أهمية من القضاء العادي إن لم يكن اكثر أهمية منه وجاءت قواعده اكثر صعوبة وخطورة من قواعد هذا القضاء، فضلا عن دقته، ودقته تكمن في الملكة القانونية الهائلة التي يجب أن تتوفر في القاضي الذي يسند اليه الفصل في القضايا الاستعجالية، فيمكن القول عن صواب، إن القضاء المستعجل بمثابة الإسعافات الأولية التي تقدم للمريض، الذي يوجد في حالة خطيرة جدا، قبل ممارسة الفحوص الطبية عليه أو إجراء عملية جراحية عليه».

بهذا التقديم، افتتح عرض باسم جمعية هيئات المحامين بالمغرب، خلال مشاركتها في ندوة سبق أن نظمها المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية حول موضوع «القضاء المستعجل». وللتذكير، ساهمت الهيئة في إشغال الندوة بواسطة ورقة عمل أعدها الأستاذ عبد الله درميش، باسم جمعية هيئات المحامين وهيئة الدار البيضاء. كما تجلت مشاركة اتحاد المحامين العرب من خلال البحث الذي كان قد أعده الأستاذ الطيب البواب عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء. وتقدم الأول بعرض تحت عنوان «موقع القضاء المستعجل من القضاء بصفة عامة»، بينما قدم الثاني بحثا تحت عنوان «موقع القضاء المستعجل من القضاء في الإسلام». ومن أجل المساهمة في الإحاطة بموضوع القضاء المستعجل، ندرج أهم ما جاء في العرض الأول الذي سبق نشره في مجلة جمعية هيئات المحامين.

ماهية القضاء المستعجل من بين مؤسسة القضاء عموماً:

إن القضاء المستعجل الذي يشذ عن طبيعة القضاء العادي يقوم، أساسا، على فكرة إسعاف الخصوم بأحكام سريعة قابلة للتنفيذ الجبري، من شانها أن تضع الخصوم، في مركز مؤقت ريثما يفصل في اصل الحق. فيقصد به الفصل، بصفة مؤقتة، في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الأوان دون المساس بأصل الحق بقرار ملزم للخصوم بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة، أو احترام الحقوق الظاهرة، أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين. فهو إذن، حماية عاجلة ليس من شانها أن تكسب حقا لهذا المتقاضي أو تهدر حقا لذاك، فهو قضاء يضع حدا للتعدي فورا، وقد جاء في منشور لوزارة العدل، من حيث مفهوم القضاء المستعجل، انه يطلق على مسطرة مختصرة تمكن الأطراف في حالة الاستعجال من الحصول على قرار قضائي في حين معجل التنفيذ في نوع من القضايا لا يسمح بتأخير البت فيها دون أن تسبب ضرراً محققا.

وعلى أية حال، فان القضاء المستعجل يبقى له شان كبير أمام القضاء العادي حيث يحافظ على الحقوق الظاهرة للخصوم، وينبه هؤلاء إلى مراكزهم القانونية الصحيحة والى وضعياتهم السليمة، فيسد على سيئ النية الأبواب ويعيقه على تحقيق مقاصده، وأحيانا أخرى يحمي الحجة والدليل إلى أن يقع الفصل في الموضوع.

أهمية القضاء المستعجل

أهمية القضاء المستعجل هي انه يرد العدوان البادي لأول وهلة من ظاهر المستندات بإجراءات وقتية تتغير كلما جد جديدة في ظروف النزاع وتتميز بالبساطة والمرونة وقلة النفقات، مع الاقتصاد في الوقت واختصار في الإجراءات، وبذلك يكون القضاء المستعجل عامل توفيق بين الأناة اللازمة لحسن سير العدالة وبين نتائج هذه الأناة التي قد تعصف أحياناً بحقوق الخصوم.

وعلى الرغم من الصفة الوقتية التي يتصف بها القضاء المستعجل وتميزه عن القضاء العادي، فان له في مجال الحياة العملية القضائية أهمية كبرى، كثيرا ما يؤدي إلى فض النزاع، ويزهد الأطراف في الخصومة، بسبب كون القرار الذي يصدر عنه يثير في الغالب تعرف الخصوم على وجه المنازعة، ويجعلهم أمام امر واقع يصبح معه الاستمرار في الخصومة غير منتج، ولذلك عظم شان هذا القضاء واتسعت الدائرة التي يعمل بها، وقضى على كثير من وسائل الكيد والرغبة في اكتساب الوقت،

وإضاعة الحقوق عن طريق التسويف في الخصومة وإطالة أمدها، ووقف بوجوه سيئ النية من الخصوم ممن تفننوا في إقامة العراقيل في سبيل حصول خصومهم على ما لهم من حق.

أما في نطاق التشريع، فان أهمية هذا القضاء تنعكس في الاهتمام الذي أولاه المشرع له، فاسند اليه النظر في حالات عديدة متفرقة كالصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ والحراسة القضائية والإجراءات التحفظية، والحصول على امر بإثبات حال أو توجيه إنذار أو أي إجراء أخر مستعجل، وممارسة عروض الوفاء والإيداع، وتحديد التعويض المسبق في حالة حيازة بعض العقارات، والبث في التعرض الذي تقدم به المزايد الذي رسا عليه المزاد العلني...

إطار القضاء المستعجل

تحت هذا العنوان تناول العرض بيان الدعائم الأساسية التي يقوم عليها القضاء المستعجل، والتي تميزه عن القضاء العادي، وهي ما يعبر عنها عادة (بالقواعد الموضوعية) التي تتمثل في عنصري الاستعجال، وعدم المساس بأصل الحق، ثم تقوم بتحديد المجال الذي يتحرك فيه قاضي الأمور المستعجلة، أي معرفة نطاقه بسرد بعض الحالات المهمة التي يعالجها، وبعد ذلك نأتي على مؤسسة قاضي التنفيذ التي تعرفها بعض الأنظمة التشريعية دون البعض الأخر مما لهذه المؤسسة من أهمية قصوى ولما تهدف اليه من أهداف جديرة بالاعتبار.

بخصوص القواعد الموضوعية للقضاء المستعجل، جاء في العرض أن اختصاص قاضي المستعجلات منوط بتوافر شرطين أساسيين، أولهما ضرورة توافر عنصر الاستعجال في المنازعة، وثانيهما أن يكون المطلوب هو البت في الإجراءات الوقتية، وعدم المساس بالجوهر، ويضاف إلى هذين العنصرين -بالنسبة لاختصاص الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، في التشريع المغربي، كقاضي الأمور المستعجلة- أن يكون النزاع معروضا على محكمة الاستئناف...

والى جانب هذه الشروط هناك قيد يرد على اختصاص القضاء المستعجل، ويتمثل في أن هذا القضاء باعتباره جزءا من القضاء المدني فهو يخضع للأوضاع التي تحدد اختصاص هذا القضاء، فيخرج من اختصاصه ما يخرج من ولاية القضاء المدني.

بالنسبة لشرط الاستعجال، يرى العرض أن المشرع المغربي لم يضع تعريفا أو ضابطاً لعنصر الاستعجال، لان ذلك ليس من عمل المشرع، فتركه للفقه والقضاء، فهكذا تحرك الفقه جادا لوضع تعريف دقيق «للاستعجال» فوقع الاتفاق بين الفقه على أن الاستعجال هو الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه باتخاذ إجراءات سريعة لا تحتمل الانتظار، ولا يمكن أن تتحقق عن طريق القضاء العادي ولو بتقصير الميعاد.. ولا يمكن أن يكون الاستعجال من مجرد رغبة احد الطرفين في الحصول على حكم في الدعوى بأسرع ما يمكن.

وحول ما يتعلق بشرط عدم المساس بالجوهر، جاء في العرض أن الأوامر الاستعجالية غير حاسمة في الموضوع، لكنها أوامر إسعاف تقوم، أساساً، بحماية مؤقتة للحق، ووقايته بدفع الخطر عنه، أكثر ما تقوم بتقصي الحقيقة والبحث عن الحق في مسالك العدالة المتشعبة، بمعنى أن الأوامر الاستعجالية لا تبحث إلا في إجراءات وقتية، ولا يمكن أن تمس ما يمكن أن يقضي به في الجوهر.

والقضاء المستعجل ليس ممنوعاً من كل بحث في الحق والمستندات المتعلقة به، وإنما يبحث الموضوع ويطلع على مستنداته لا ليكون من شانه رأياً قاطعاً ليبني عليه حكمه في الإجراء الوقتي، وإنما هو يبحثه بحثاً سطحياً للاستنارة بهذا البحث في إجابة طلب الإجراء إلى طالبه أو عدم إجابته اليه أو على حد تعبير محكمة التمييز الكويتية على أن يكون بحثه عرضا يتحسس به ما يبدو له من النظرة الأولى انه وجه الصواب في الإجراء المطلوب.

أما الجوهر الذي يمنع على قاضي المستعجلات المساس به فهو اصل الحق الذي تدور حوله حقوق والتزامات الأطراف وجوداً وعدما، والذي يبقى دائما خاضعا لسلطة قاضي الموضوع، ولا يعني عدم المساس بالجوهر أن قاضي الاستعجال يصدر أوامر من شان تنفيذها أنها لا تلحق ضرراً لأحد الخصوم يستحيل علاجه مستقبلا، لان مثل هذا الأمر لا يؤثر إطلاقاً على اصل الحق إذ يظل قاضي الموضوع حراً في تكوين عقيدته عند الفصل في اصل النزاع لا تقيده حجة الأمر الاستعجالي.

عن علاقة القضاء المستعجل بقضاء الموضوع، أوضح العرض أن التشريعات، ومنها التشريعات العربية، تختلف حول مدى علاقة القضاء المستعجل بقضاء الموضوع، ففي التشريع المغربي، مثلا، اصبح من المؤكد أن قاضي المستعجلات لا يمكنه البت في أي حال من الأحوال، في جوهر النزاع.. وعلى الرغم من أن القضاء المستعجل يتميز عن قضاء الموضوع في هذه النقطة الأساسية فان الصلة وثيقة بينهما، والعلاقة وطيدة اشد ما يكون التوطيد. فالقضاء المستعجل فرع من القضاء المدني، وولايته محدودة بالقدر الذي يدخل في اختصاص القضاء المدني، بمعنى أن ولاية القضاء المستعجل، إباحة وتحريما، مستمدة من النصوص التي تنظم هذا القضاء، ويقصد بالقضاء المدني، هنا جهة القضاء التي تقابل جهة القضاء الجنائي..

وتفريعا على ذلك، فان القضاء المستعجل، من جهة أخرى، يكون مختصا في اتخاذ التدابير التحفظية والوقتية، التي لا تؤثر في الدعوى العمومية ولو كان النزاع معروضا على القضاء الجنائي لأنه لا مجال لتطبيق قاعدة «الجنائي يوقف المدني» أمام هذا القضاء لاعتبارات عملية ملحة تتجلى في ضرورة اتخاذ إجراءات استعجالية مدنية تتماشى مع طبيعة الحال وما تتطلبه الأمور من مرونة ويسر لاتخاذ إجراء يضمن الحماية العاجلة ريثما يقع الفصل في النزاع الذي يطول أمام قضاء الموضوع، كما أن إيقاف البت في دعوى مدنية لسبب من أسباب الإيقاف لا يمنع قاضي المستعجلات من الاستمرار في اتخاذ الإجراءات الاحتياطية الضرورية التي تتوفر فيها حالة الاستعجال.

إن لرفع الدعوى المستعجلة طريقتين (الأولى) هي إعداد صحيفة تودع قلم الكتاب وتعلن مع تكليف الخصم بالحضور أمام المحكمة لسماع الحكم عليه بالطلبات الواردة بالصحيفة، وهذه الطريقة عامة وتتبع بالنسبة لجميع المنازعات المستعجلة – أما الطريقة (الثانية) فهي إبداء المنازعة أمام المحضر عندما تكون هذه المنازعة متعلقة بالتنفيذ أي إشكالا في التنفيذ، وهذه الطريقة خاصة بالإشكالات ولا تتبع بالنسبة لغيرها من الدعاوى المستعجلة، لأنها لا تتسنى إلا في حالة المنازعات المتعلقة بالتنفيذ، التي تقتضي بطبيعتها وجود المحضر في الموقع عند إبداء المنازعة، والتي ترفع إلى قاضي التنفيذ باعتباره قاضياً للأمور المستعجلة. ويراعى أن رفع الإشكال بهذه الطريقة الخاصة اختياري إذ يجوز لمن يرغب في أن يستشكل في التنفيذ أن يرفع إشكاله بالطريق المعتاد أي بالصحيفة المقيدة المعلنة. على أنه حتى لو اتبعت هذه الطريقة الخاصة فإن الدعوى المستعجلة تسير بعد رفعها طبقاً للنظام العادي أي تنظر في جلسة علنية يحضر فيها طرفا الخصومة لإبداء دفاعهما مع مجابهة كل منهما للآخر، وتنتهي الدعوى بحكم مسبب، وفي هذا يختلف عمل القاضي المستعجل عن عمل القاضي الوقتي الذي يلجأ إليه أصحاب الشأن بطلبات تقدم على عرائض ينظرها القاضي في خلوته دون استدعاء الخصوم ودون مواجهتهم وبغير دفاع أو مناقشة أو مجابهة، ثم يؤشر القاضي على العريضة بما يراه من إجابة الطلب أو رفضه أو إجابة جزء منه، وكل ذلك دون أسباب وفي غير جلسة علنية ولا تعتبر التأشيرة التي يذيل القاضي بها العريضة حكما، بل تعتبر أمراً صادراً من القاضي الوقتي بناء على سلطته الولائية.

والخلاصة أن الاضطراب لازال مستمراً سواء في الاجتهاد أو الفقه، حول اختصاص القضاء المستعجل في المسائل الإدارية, فالبعض يرى أن ذلك موكول إلى القضاء الإداري، والبعض الآخر يرى أن القضاء المستعجل له الصلاحية ليبت فيه. أما المسالة التي وقع حسمها فهي مسالة الاعتداء المادي إذ يرجع النظر فيها إلى القضاء المستعجل.

بالنسبة لنطاق القضاء المستعجل، أكد العرض أن ولاية القضاء المستعجل غير محدودة بحالات معينة، وبكثير من التفاصيل أحاط بأهم الحالات التي تناط بالقضاء المستعجل متى توفرت الشروط في الطلبات التي تهدف إلى اتخاذ إجراء مستعجل. وحدد المشرع المغربي الحالات التي تقع تحت ولاية هذا القضاء ومنها الأوامر المبنية على الطلب والمعاينات، كالأمر بإثبات حال أو توجيه إنذار، أو أي إجراء مستعجل أخر، من قبيل بالصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ والحراسة القضائية أو أي إجراء أخر تحفظي.

*دكتور في الحقوق و خبير في القانون العام

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد