من يحبون أوطانهم – يحكي لنا التاريخ – هم قوم عشقوا ترابه، وبذلوا لأجله الغالي والرخيص، أدمنوا عليه فكانوا عند المستوى وعلى قدر المسئولية، ينسلون من بين الإغراءات كما ينسل الماء من بين الأصابع، ويتغورون في الشرف والنزاهة والعفة والوطنية كما يتغور الماء في باطن الأرض، لهم نفوس أبية تـأبى الضيم، وتأنف الخذلان، ويعز عليها ألا تقوم في نصرة المظلوم، أو رد المظالم إلى أهلها إن كانوا أصحاب سلطة أو قوة رادعة، وهم قوم ترخص النفوس عندهم من أجل أوطانهم، وتسمو نفوسهم في حبه، وتخفق أرواحهم لشأنه، فهم له وبه ومعه يعظمون حين يعظم، ويرخصون حين يرخص وطنهم، أينما يمموا وجهاً رأيت الحب للوطن يكسو محياهم، ويبرق من بين ثنايا عزائمهم، لسان حالهم لنا العزمات البيض يبرقن بالضحى لأننا معشر ورثنا المجد كابرا عن كابر، أهداه لنا الإسلام لما جاء يخرج الناس من ظلمات العبودية والرق، إلى عدل الإسلام وهامشه الفسيح.

حديثنا اليوم أيها السادة: عن رجلين من هؤلاء العمالقة الذي ذابوا في عشق أوطانهم، وصدقوا في حماية أبناء بلدهم، كيف لا نتحدث عنهم وقد رأينا مواقف البطولة والشرف تتجلى كما لو أنها الشمس في رابعة النهار لصنيعهم الذي أثلج الصدور وهم يتصدون للدخلاء ممن ينتسبون زوراً لهذا الوطن ممن باعوا أنفسهم للشيطان وتركوا أنفسهم أداة طيعة بيد الآخرين ممن لا يريدون خيراً لهذا الوطن الغالي وأبناءه الكرام.

لقد توقف شعر رأسي وأنا أقرأ خطاب القشيبي أمام أفراده بانه ليس أفضلهم، وأنه واحد منهم سيموت مثلما قدم الآخرون أرواحهم، وسيصمد حتى لو لم يبق إلا هو بين أفراده أمام الغزو الفاجر من قبل مليشيات الحوثي التي رجعت مدحورة على عقبها من حيث أتت، وقتل منها في سبيل الهلال الفارسي من قتل.

إن مواقف العميد القشيبي ومحافظ المحافظة الشيخ دماج يحق لنا أن نفخر بهما، وهما اللذان مثَّلا سداً منيعاً أمام فلول الحوثي التي ظنت أن القيادات خائنة أمثالهم قد باعوا أنفسهم للشيطان.

إن رسائل الصمود والعزة التي أرادا بعثها للحوثي وصلت وأكبر دليل ذلك الخروج المفاجئ للحوثي في خطابه الأخير الذي أقر على مضض بأن هناك انتصارات آنية للجيش لن تصمد على أرض الواقع، يتحدث وهو الواهم الذي يعرف أن الشعب لن ينطلي عليه مشروعه الصفوي البغيض الذي يريد إقامته على دماء وجماجم أبناء اليمن الكرام الذين ما عادوا مساكين كالسابق كما يقال، بل نجد اليوم أبناء اليمن صفاً واحداً – وهذا ما يجب أن يعرفه الحوثي – أمام هذه الهجمة الغادرة والفاجرة التي يقوم بها الحوثي للانقضاض على عمران وصنعاء من بعدها كذلك لإعادة الحكم الإمامي الذي ركله اليمنيون إلى غير رجعة.

تحية إعزاز وإكبار نقدمها للعميد القشيبي والمحافظ دماج وكل المقاتلين المرابطين في الجبال والمواقع المتاخمة لعمران، نقول لهم: شرف لكم أن تكونوا رأس الحربة في الدفاع عن الوطن من عدو غادر لا يرقب في يمني إلاًّ ولا ذمة..