لا يستطيع أحد أن يحصر حجم الأموال المهربة حاليا، لأن الحسابات سرية ولامجال لكشفها إلا من خلال تعاون جدي بين حكومات الدول التي توجد بها تلك الحسابات وهيئة مشكلة بقانون صادر من رئيس الجمهورية لديها الرغبة الجادة في استعادة هذه الأموال وكل ما تم الحديث عنه في الإعلام هو مجرد توقعات واستنتاجات، لم يتسن لأحد التأكد منها.
ليس صحيحاً أن الأموال المهربة خرجت جميعها بعد اندلاع أحداث الثورة ، فخلال سنوات حكم مبارك كانت هناك عمليات غسيل أموال عبر مشاريع تتم في الخارج تابعة لرجال أعمال النظام ، وهي أموال من مصادر غير شرعية ،وما تم بعد يوم الجمعة 28 يناير هو خروج كميات كبيرة من الأموال السائلة بشكل مباشر ،من خلال مؤسسات بنكية وغير بنكية.
بالتأكيد هناك حسابات سرية في الداخل لم يكشف عنها ولم يتوصل لها أحد ،ووجودها في صورة أموال سائلة أو مشاريع قائمة بأسماء غير معروفة يجعل من الصعب الكشف عنها ، ولا مجال لكشفها واسترداد حق الدولة منها إلا بهيئة عامة لها صلاحيات أوسع من اللجنة الحالية ومساحة من الحرية في الحركة والاستقلالية في العمل . بداية تتضمن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي صدقت عليها مصر في فبراير 2005، عددا من جرائم الفساد، أهمها، تدابير منع غسل الأموال، ورشوة الموظفين العموميين، واختلاس الممتلكات أو تبديدها، والمتاجرة بالنقود، والإثراء غير المشروع، وغسل العائدات الإجرامية والملاحقة والمقاضاة والتجميد والحجز والمصادرة واسترداد الأموال.
وتضمنت المادة (31) من الاتفاقية الإجراءات الواجب اتخاذها لتجميد وحجز الأموال الناتجة من العائدات الإجرامية المتأتية من أفعال مجرمة.
ونصت المادة (51) على أن استرداد الموجودات هو مبدأ أساسي في هذه الاتفاقية، وطبقا للمادة (57) يكون إرجاع الموجودات استنادا إلى حكم نهائي، فيما قضت المادة (46) بضرورة تقديم الدول الأطراف بعضها إلى بعض أكبر قدر ممكن من المساعدة القانونية المتبادلة في التحقيقات والملاحقات والإجراءات القضائية المتصلة بالجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية. فضلا عن ذلك، يجوز، وفقا للاتفاقية الطلب من الدول الموجود بها الأموال تقديم أصول المستندات والسجلات ذات الصلة بما فيها السجلات الحكومية أو المصرفية أو المالية أو سجلات الشركات أو المنشآت التجارية أو نسخ مصدقة منها، ولا يجوز للدول الأطراف أن ترفض تقديم المساعدة القانونية بحجة السرية المصرفية، لأن أحكام الاتفاقية ألزمت الدول الأعضاء بتدعيم التدابير اللازمة لمنع ومكافحة الفساد والتعاون الدولي من أجل منع ومكافحة جريمة الفساد.
وبالتالي، فإنه بموجب الاتفاقية يكون من حق مصر طلب تجميد الأموال المهربة للخارج وطلب مصادرتها لمصلحة مصر.
وعند صدور حكم نهائي بالإدانة على المتهم ومصادرة الأموال المتصلة من جريمة الفساد يطلب استرجاع الأموال المجمدة والممتلكات المصادرة لمصلحة مصر.
إن حجم المديونية وصل إلي 1.2 تريليون جنيه أي 1200 مليار جنيه بعد تولي حكومة الدكتور أحمد نظيف الأولي في يوم 14 يوليو 2004 ثم الوزارة الثانية في يوم 28 ديسمبر عام 2005 وحتى إقالته في يوم 30 يناير 2011 أي إن وزارة الدكتور أحمد نظيف خلال 6 سنوات فقط قامت بترتيب مديونية علي مصر تبلغ 750 مليار جنيه ولم تسدد أي مبالغ من المديونية السابقة أي أنها كل سنة كانت ترتب علي مصر مديونية تبلغ 125 مليار جنيه أي أنها كانت ترتب مديونية علي مصر كل شهر 10 مليارات جنيه أي أنها قامت بترتيب مديونية يومية علي مصر تبلغ 335 مليون جنيه.
إن موارد مصر المالية خلال الثلاثة عقود الماضية كان يتم استنزافها في أمور لا تخص الموازنة العامة للدولة، الأمر الذي ترتب عليه إهدار الموارد المالية التي حصلت عليها مصر من دول العالم، والتي تشمل المعونات والمنح ومساعدات وقروضاً ميسرة بأسعار فائدة لا يتجاوز 1% من قيمة القرض، بالإضافة إلي فترات سماح طويلة كانت تبلغ في بعض القروض 10 سنوات.
إن ما فاقم من أزمة الأموال المنهوبة هو حالة التباطؤ التي ربما تصل إلي حد التواطؤ خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط مبارك، حيث شهدت تلك الفترة تهريب كميات هائلة من الأموال، مستغلة ما يمكن تسميته بنوع من الفساد المقنن والممنهج، ومستفيدة من حالة الانفلات الأمني التي استمرت أشهرا عديدة.
أن حكومات ما بعد الثورة لم تبذل جهودا كافية علي صعيد استعادة الأموال المنهوبة والمهربة، حيث غاب التنسيق بين أجهزة الدولة في هذا الشأن، ولم يحدث ما كان واجبا من تضافر الجهود علي الأصعدة القانونية والقضائية والسياسية والشعبية والإعلامية من أجل تحقيق هذه الغاية.
إن خطوات استرجاع الأموال المنهوبة من مصر في ثلاثة محاور الأول المحور القانوني بتشكيل لجنة وزارية تدير عمليات تفاوض قاسية وكل البلاغات المتعلقة بجرائم الفساد تحال إلي الجهاز المركزي للمحاسبات بدلا من النائب العام.
أما المحور الثاني فهو الدبلوماسي والسياسي بمخاطبة البنوك الدولية باستخدام اتفاقية مكافحة الفساد واستخدام الموقف المصري السياسي الصارم والتهديد بالتصعيد، واتخاذ إجراءات تؤثر سلبا علي هذه الدول، والمحور الأخير هو الشعبي باستخدام الشباب لتشكيل بؤر ضغط قوية لكسب التعاطف من خلال الإنترنت والتواصل مع المجتمعات الأوربية.
إن الأموال نهبت من مصر عن طريق الاقتصاد الخفي الذي يكون خارج مصفوفة الدخل القومي، إن عصابات المافيا كانت تدير مصر من سلوك وعدم إحساس بالمسئولية تجاه الوطن، أن نهب الاقتصاد المصري ظهر في عدة أشكال من خلال العمولات والرشاوى في قطاعات المضاربة علي الأراضي والعقارات وخصخصة شركات القطاع العام والمقاولات وتوظيف الأموال وتدهور النظام الصحي الحكومي لتحقيق الأرباح لصالح المشروعات الصحية الاستثمارية والكثير من المجالات الأخرى.
إن نظم الاقتراض المصرفي أيضا يعد مصدرا ضخما للعمولات والرشاوى، حيث بلغ حجم الائتمان الممنوح 600 مليار جنيه منذ عام 1975 وحتى 2011 ، أن 33 شخصا فقط حصلوا علي نصف الائتمان المصرفي بما يعادل 300 مليار جنيه بدون ضمانات.
وإن وجدت يتم المبالغة فيها لتغطي قيمة القرض مقابل حصول القيادات المصرفية علي عمولات ورشاوى قد تصل إلي 15٪ من القرض.
إن ثالث المصادر التي طالها الفساد هو البنية التحتية وخاصة في قطاع التشييد والبناء الذي حصل علي كل الاهتمام في عهد مبارك خاصة في فترة تولي محمد إبراهيم سليمان وزيرا للإسكان حيث امتلأ القطاع بالفساد عن آخره والرشاوى والعمولات التي منحت بشكل خفي وعلني في صفقات مشبوهة أن هناك 450 مليار جنيه تم صرفها علي هذا القطاع منها حوالي 10٪ عمولات بما يعادل 40 مليار جنيه.
وبالعودة للاقتصاد المصري والأرقام التي ظهرت في الفترة الأخيرة للأموال المنهوبة من مصر أن جميعها غير صحيحة بما فيها تصريح أشتون بخروج 5 تريليونات جنيه من مصر عقب الثورة وجود عدة معايير تمكننا من الوصول للأرقام الحقيقية التي يمكن تقديرها طبقا لحجم النشاط الاقتصادي محل النهب وطبيعة وسعة قنوات تهريب الأموال سواء كانت مصرفية أو بواسطة كمبيالات التحصيل أو المضاربة علي العملة الأجنبية وأيضا البورصة التي تعد أهم وسائل خروج الأموال من مصر. بعد مرور 3 سنوات على ثورة 25 يناير، تجدد الحديث عن استرداد الأموال المصرية التي نهبها نظام مبارك من الشعب في بنوك سويسرا وبريطانيا وأمريكا وغيرها من الدول الأجنبية، وعلى الرغم من سقوط جماعة الإخوان الإرهابية، إلا أن مصر تظل في حاجة شديدة لمثل هذه الأموال لسد عجز والانطلاق في مرحلة بناء المؤسسات بعد إقرار الدستور.
إن كل دولة تضع شروطا قانونية بضرورة الحكم النهائي على المجرم، إضافة إلى ذلك ربط المال بالجريمة لضمان قبول طلبات المساعدة القانونية المصرية لدى كل الدول المطلوب منها. أن مصر خاطبت العديد من الدول الأوروبية والعربية لموافاتنا بمعلومات عن أموال نظام مبارك ومساعديه، ولكن دولا قليلة هي التي أبدت تعاونها، وأبرزها دول الاتحاد الأوروبي.
إن قضايا الكسب غير المشروع قليلة، وأن ما يعرقل رد الدول في الطلبات هي النظم القانونية المطبقة بهذه الدول، والتي تطلب إلزام حكم نهائي للهارب وعلاقة الجريمة التي ارتكبها بالأموال المتواجدة عندها.
أنه من الصعب إصدار أحكام نهائية في هذا الوقت، وأيضا ليس من الممكن أن نرسل طلبات للدول بتجميد الأموال قبل مقاضاة المجرمين، وإلا ستسحب الأموال في أي وقت.
إن التعاون الدولي لم يتلق أي طلبات لتعقب أموال محمد مرسى في الخارج، أو أي من مساعديه من جماعة الإخوان، لافتا إلى أن المسئول عن إعداد الملفات هو التعاون الدولي بالنيابة العامة، وأشار إلى أن التعاون الدولي بوزارة العدل، هو حلقة وصل بين الجهات سواء النيابة العامة والكسب غير المشروع والجهات الخارجية. أن مصر يمكنها استرداد الأموال التي هربها كبار المفسدين في الدولة خلال عام واحد شريطة الإسراع في إجراءات التقاضي والحصول على أحكام قضائية برد هذه الأموال.
إن إجراءات استرداد تلك الأموال ربما يطول بعض الشيء، لأن الدول الأجنبية ملتزمة بالاتفاقيات الدولية واتفاقية مكافحة الفساد والمعاهدات الثنائية.
د. عادل عامر
أموال مصر المنهوبة..الملف المسكوت عليه الآن 1890