ذهاب قياديين من الإصلاح إلى صعدة للقاء عبد الملك الحوثي, أثار لغطاً كبيراً في الساحة السياسية, بداية من غضب جزء كبير من شباب الإصلاح بهذا اللقاء واعتباره خضوعاً لجماعة ما برحت تتهمهم بالتكفيرين "الدواعش" إضافة إلى استغرابهم من هذه الخطوة المفاجئة, التي استفزتهم خصوصاً أن الجماعة الحوثية ما زالت مستمرة في تحركاتها الاستقواية, إذاً فكيف تتصالح مع من يسعى إلى تركيعك وإقصائك, ويعمل ليل نهار من أجل تفكيك حزبك الذي يظنه عائقاً أمام تمكّنه من حصر السلطة في هضبة شمال الشمال (المركز المقدس).. وبعيداً عن هذه الهواجس العاطفية الشبابية والتي تعبّر عن صدق وإخلاص يفتقران للمراوغة السياسية, المطلوبة في هذا الظرف المعقد من تاريخ البلد.. يمكننا القول إن قرار الإصلاح بالذهاب إلى صعدة وتطبيع الأمور مع الحوثي يعد ثاني أذكى قرار اتخذه الإصلاح بعد قرار الانسحاب من المواجهة مع الحوثي في الـ21 من سبتمبر الماضي؛ ففي الوقت الذي كان يُراد له (أي الاصلاح) أن يدخل في حرب نتائجها محسومة سلفاً للحوثيين وبالتالي يتعرض الحزب لضربة " قاصمة" لن يتعافى منها بعد عقود, فتنهار البنية التنظيمية ويدخل القادة المعتقلات ويتجه القطاع المحافظ (طلاب جامعة الإيمان) إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم, ومن هنا تتحول اليمن إلى ساحة حرب ستلتهم الحزب بالكامل ويفقد كل ما بناه طيلة 6 عقود من الزمن؛ لكن دهاء الإصلاح جعله يتجنب كل هذا ويقلل من خسائره, ويفوت الفرصة على المتربصين به, ومع العلم أن انسحاب الاصلاح شكّل صدمة لكل المتآمرين عليه من الداخل (صالح وهادي والحوثي) ومن الخارج (السعودية والإمارات وإيران), فبعد أن فشلت الخطة الأولى في ضرب الإصلاح انتقل الجميع إلى الخطة الثانية والمتمثلة في اقتحام منازل قيادات الإصلاح ومقراته ومؤسساته وكل ما له علاقة بالإصلاح من قريب أو بعيد؛ لكن الإصلاح أبدى تعقلاً كبيراً قطع الطريق الثانية على الجماعة التي شعرت أنها تريد فتح حرب مع طرف ما فتئ يؤكد أنه حزب سياسي كل أدواته سلمية ولا يمكن التفريط بها. توقف الحوثي قليلاً ثم بدأ في الزحف نحو مناطق النفوذ الإصلاحية ( المناطق الوسطى)؛ عله يجد من ينازله هناك, إلا أنه اصطدم بموقف الإصلاح الرافض للانجرار وراء نداءات حشود الخراب التي تحركها ثارات موغلة في التاريخ..
وعلى كل حال فقد شعر الحوثي بعبثية تحركاته العسكرية وشعر بضعفه عن تحقيق ماّربه بتلك الطريقة, إلى جانب ذلك شعر الإصلاح إنه فقد قوته العسكرية وأن لا حل سوى الاتجاه نحو التهدئة وأخذ "نفس راحة " بعد كل ذلك الإرهاق, إضافة إلى استعادة توازنه ولملمة صفوفه, وإبقاء المتآمرين عليه في حالة "شرود وتيهان وصدمة" كونه تفلت من الوقوع في الشراك التي أعدت له بعناية.
ومن هنا يمكن القول إن تقاطع مخاوف الطرفين( الحوثي والإصلاح) من المستقبل جعلهم يفضلون الاتجاه نحو التهدئة؛ فالحوثي يشعر باستحالة حكم اليمن بمفرده, والإصلاح يشعر بحاجته إلى" ترتيب أوراقه وتفويت الفرص على من يريد اجتثاثه بالكامل, ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الإصلاح قد فهم اللعبة بكل تفاصيلها وإدراك أن خيار السلم وأجواء التصالح توفر له مناخ خصب للعمل المدني, فهناك تبدو فروسية الإصلاح كاملة ويتقزم أمامه الحوثي الذي لا يملك سوى لغة السلاح وفي الميدان الفكري والثقافي والسياسي يظهر حجمه الحقيقي ويفقد كثيراً من هالته المزعومة.
وبالأخير فالعبرة بالنتائج وما إذا كان هذا الاتفاق سيصمد أم سينهار مع أول محك حقيقي..!! وبهذه البراجماتية الإصلاحية الذكية, يكون قد أسقط كل مبررات الحوثي الرامية إلى ابتلاع الحزب, وكذلك إحراجه أمام الجميع, فلن يستطيع الحوثي بعد اليوم اقتحام تعز _ هذا إذا كانت نواياه حسنة_ ولا تسريح القادة العسكرين الإصلاحيين من الجيش, وأي خطوة في هذا الاتجاه ستعد التفافاً على الاتفاق ورغبة في استمرار الاحتقان الذي سيكون مردودة سلبياً على الحوثي الباحث عن الهدنة, وعلى شباب الإصلاح أن يغلب لغة السلم والمصلحة العليا للحزب على النزوات الانتقامية والأحقاد التاريخية وأن يكونوا أكثر حداثة وأكثر تطلعاً للغد بدلاً من التحديق في الماضي الذي لن يصنع لهم شيئاً سوى مزيداً من التقهقر والانهيار..
محمد المياحي
عن ذهاب الإصلاح إلى صعدة...!! 1997